نام کتاب : أشعار الشعراء الستة الجاهليين نویسنده : الأعلم الشنتمري جلد : 1 صفحه : 105
"وعدي كان يسكن الحيرة ويراكز الريف، فلان لسانه، وسهل منطقه فحمل عليه شيء كثير، وتخليصه شديد، واضطرب فيه خلف، وخلط فيه المفضل فأكثر". وقال ابن قتيبة: "كان عدي يسكن بالحيرة ويدخل الأرياف، فثقل لسانه، واحتمل عنه شيء كثير جداً، وعلماؤنا لا يرون شعره حجة".
وقد عدد صاحب الأغاني بعض الألحان التي صنعت في شعره. ونحن لا نوافق النقاد على مؤاخذة عدي بهذه الرقة، وبتلك السهولة، مادام الشعر غير متكلف ولا مصنوع. ولقد انقضى عصر البداوة في الأسلوب، وأصبحنا الآن نعيش في حياة جديدة لا تخالف حياة أجدادنا الأولين، وهذه الحياة وتلك الحضارة لا ترى في السهولة ما يستحق النقد والعيب.
التاريخ الأدبي لعدي
سجل أبو الفرج صاحب الأغاني حياة عدي وشعره في الجزء الثاني من كتابه، كما جمع الكثير من أخباره وشعره مؤلف كتاب "شعراء النصرانية" في القسم الرابع من الكتاب. وذكره ابن سلام في طبقات الشعراء، وابن قتيبة في الشعر والشعراء، والمرزباني في الموشح. وأخرج بعض المعاصرين بحثاً عنوانه "زعامة الشعر الجاهلي بين امرئ القيس وعدي بن زيد".
وقد جمع أبو سعيد السكري وجماعة أخرى شعر عدي في القرن الثالث الهجري - كما ذكر ابن النديم - في الفهرست - وذلك رواية عن هشام الكلبي وابن الأعرابي والضبي وسواهم.
ألوان من حياة عدي بن زيد وشعره
كان نصرانياً وكذلك أبوه وأمه وأهله، وكان أبوه ممن حذق الفارسية وأجادها وتوصل إلى كسرى، فجعله على البريد ولم يكونوا يفعلون ذلك إلا بأولاد المرازية، ولما ولد له عدي وتحرك وأيفع طرحه في الكتاب حتى حذق العربية. ثم أسلمه أبوه إلى صديق له من مرازبة الفرس فجعله مع ابنه في كتاب الفارسية فاختلف إليه زمنا، حتى خرج من أفهم الناس بها وأفصحهم بالعربية وقال الشعر وتعلم الرمي بالنشاب ولعب لعب العجم على الخيل بالصوالجة وغيرها، ووفد المرزبان على كسرى فذكره له وقال إن عندي غلاماً من العرب وهو أفصح الناس وأكتبهم بالعربية والفارسية والملك محتاج إلى مثله فرغب فيه وجعله في كتاب الديوان وأوفده إلى قيصر فأكرمه وحمله إلى عماله على البريد ليريه بسطة سلطانه وعظيم شأنه وأقام عدي بالمدائن يؤذن له على كسرى في الخاصة وهو معجب به قريب منه فإذا أراد المقام بالحيرة في منزله ومع أهله استأذنه فأقام فيهم الشهر والشهرين وأكثر وأقل. وقد أثر كل هذا في شعر عدي فلان لسانه وسهل منطقه كما قال ابن سلام، وذهب مذهبا خالف فيه الشعراء كما قال الأصمعي، وكان لمكان الدين منه يتلطف في دعوة النعمان إلى النصرانية حتى نقله من الوثنية إليها، ويتوسل لذلك بالشعر فيضع من الأبيات ما يجعله حديثاً عن المقابر أو غيرها، فإذا خرج للنزهة أو الصيد ومرا بها قال أتدري ما تقول هذه المقابر قال لا قال فإنها تقول:
من رآنا فليحدث نفسه ... أنه موف على قرن زوال
وصروف الدهر لا يبقى لها ... ولما تأتى به صم الجبال
رب ركب قد أناخوا عندنا ... يشربون الخمر بالماء الزلال
والأباريق عليها فدم ... وجياد الخيل تردى في الجلال
عمروا دهرا بعيش حسن ... آمني دهرهم غير عجال
ثم أضحوا عصف الدهر بهم ... وكذاك الدهر يودي بالرجال
وكذاك الدهر يودي بالفتى ... في طلاب العيش حالا بعد حال
وقد ظلت هذه المعاني وأشباهها مما يتصل بالدين تعتلج في صدره وتهجس في نفسه وتصطبغ بها خواطره حتى نفئها في غرر شعره وعيون قصائده التي كتب بها من حنسه إلى النعمان:
لم أر مثل الفتيان في غ ... ين الأيام ينسون ما عواقبها
ينسون إخوانهم ومصرعهم ... وكيف تعتاقهم مخالبها
ماذا ترجى النفوس من طلب ال ... خير وحب الحياة كاربها
تظن أن ليس يصيبها عنت الد ... هر، وريب المنون صائبها
ويقول عدي:
ليس شيء على المنون بباق ... غير وجه المسيح الخلاق
فبرئ صدري من الظلم للرب ... وحنث بمعقد الميثاق
وشاهد ذلك حاضر في مصارع من غبر من الأمم وسلف من الملوك:
أيها الشامت المعير بالد ... هر: أأنت المبرأ الموفور
أم لديك العهد الوثيق من الأ ... يام، بل أنت جاهل مغرور
نام کتاب : أشعار الشعراء الستة الجاهليين نویسنده : الأعلم الشنتمري جلد : 1 صفحه : 105