نام کتاب : اتجاهات الشعر العربي المعاصر نویسنده : إحسان عباس جلد : 1 صفحه : 19
ثم أن إتقان هذه الشاعرة للعروض وتمرسها بالتغيرات المختلفة في البحور والأوزان كان يعد ضرورة لسببين: أولهما أن التمرس بالعروض يجعل " لعبة الشكل " جزءا من هواية ممتعة، وثانيهما أن إتقانه كفيل بالتأييد النظري للتجربة، ولعل هذه هي الرابطة الممتدة؟ في نظري - بين الانطلاقة الشعرية والموشح، فقد بينت عند الحديث عن العوامل التي ساعدت على نشأة الموشح شغف الأندلسيين بالعروض، تعلما وتجربة، وتباري الأساتذة والطلاب في ميدان النظم على ما يسمى " الاعاريض المهملة " أي التفعيلات التي قدر الخليل جواز وجودها، ولكن العرب لم ينظموا عليها [1] ، والحق أن الشعر الحديث لم يحاول أن يستمد في بناء القصيدة من الأعاريض المهملة وإنما أعتمد التنويع في بعض الأبحر المستعملة، فهو من هذه الناحية أشد محافظة من الموشح، وما ذلك إلا لضيق الشعراء المعاصرين بالعروض وتشقيقاته الكثيرة وتفريعاته، واستسهالهم لركوب ما يركب من بحوره، دون أن يسلموا في ذلك من كسر الوزن جهلا به، لا تحديا له [2] . [1] انظر تفصيل ذلك في تاريخ الأدب الأندلسي - عصر الطوائف والمرابطين (بيروت 1963) وذلك في الفصل الخاص بالموشح. [2] الفرق بين الجهل والتحدي مما يعسر تمييزه، وفي هذا المقام تحضرني قصة صغيرة، فقد كان أحد الناشئين في الشعر - منذ سنوات - يقرأ علي قصيدة ليست من الشكل الجديد، وإنما تجري على الشطرين، ولاحظت أن أحد الأبيات فيها مكسور، فلما نبهته إلى ذلك قال: أعلم أنه مكسور وإنما تعمدت ذلك لاهز انتباه القارئ، قلت: لم أكن أدري أنك تجري على قرائك تجربة بافلوف على الحيوانات، ومع ذلك فما يزال عليك أن تفسر لم أخترت أن تنبهه في هذا الموضع، لا قبل ذلك ولا بعد ذلك.
نام کتاب : اتجاهات الشعر العربي المعاصر نویسنده : إحسان عباس جلد : 1 صفحه : 19