ننتقل بعد هذا إلى حديث المصنف عن الإعراب، والآن دخل بنا في باب الجمل، لأن باب الإعراب والبناء خاصّان بالجمل، ولا تعرف أن هذه الكلمة مبنية ولا مُعربة ولا أنها فاعل ولا أنها مفعولٌ به ولا أنها مُبتدأ ولا أنها خبر إلا إذا كانت في جملة، وهذا قول المصنف هنا (الإعراب هو تغيير أواخر الكلم لاختلاف العوامل الداخلة عليه لفظًا أو تقديرًا) ، بعضهم يُعرف الإعراب وبعضهم يُعرف المُعرب، والمسألة في هذا سهلةٌ، إما أن تعرف بشيءٍ معنويٍّ وإما أن تعرف بشيءٍ محسوسٍ، الذين يعرفون بشيءٍ محسوسٍ هم الذين يعرفون المعرب، والذين يعرفون بشيءٍ معنويٍّ هم الذين يعرفون الإعراب، فالمصنف هنا اعتمد على الناحية المعنوية، فقال الإعراب هو تغيير أواخر الكلم، الكلم جمع كلمة أو اسم جنس جمعي للكلمة، واسم الجنس الجمعي هو الذي يُفرق بينه وبين واحده بالتاء في المفرد، مثل كلم وكلمة، وشجر وشجرة، وتمر وتمرة، إلى آخره.
فإذا وجدت أن الكلمة بسبب ما يدخل عليها من العوامل مرة تكون مرفوعة ومرة تكون منصوبة ومرة تكون مجرورة ومجرة تكون مجزومة فاعلم أن هذه الكلمة مُعربة، وإذا رأيتها ثابتةً في كل أحوالها مهما تغيّرت العوامل عليها فاعلم أن الكلمة مبينة، فأنت تستطيع أن تقول هذا الجدار مبنيٌّ لأنه لا يتحرك، أما المعرب فإنه يتحرك آخره، يعني تتغير حركته، تقول "جاء رجلٌ" و"رأيتُ رجلا" و"مررتُ برجلٍ"، "رجل" لما صارت فاعلا صارت مرفوعة ولما صارت مفعولا به صارت منصوبة ولما دخل عليها حرف الجر صارت مجرورة دليلٌ على أنَّ كلمة "رجل" معربة وليست مبنية لتغيرها بسبب تغير العوامل.