أما "رأى" فالكثير والغالب فيها أن تكون دالة على اليقين في الخبر، وقد ترد دالة على الشك أو على الرجحان في الخبر، ومن ذلك جُمع بين الدلالتين في قول الله عزّ وجلّ ? إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا ?6? وَنَرَاهُ قَرِيبًا ?7? ? [المعارج: 6، 7] ، فأما قوله سبحانه ? إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا ? فإن هذه الرؤية تدل على الرجحان في الخبر، لأنه يترجح عندهم بعد قيام الساعة، أما قوله سبحانه ? وَنَرَاهُ قَرِيبًا ?، فإن هذا يدل على اليقين في الخبر، وهو الغالب فيها.
قبل أن ننتقل عن "رأى"، "رأى" أحيانًا تأتي بصرية، وأحيانًا تأتي علمية وهي التي ذكرناها في هذه الآية الكريمة، وأحيانًا تأتي حُلمية، يعني من "الحُلم" وهو المنام، فإذا كانت بصرية فإنها تنصب مفعولا به واحد فقط، تقول "رأيتُ محمدًا"، أو "رأيتُ الباب"، أو "رأيتُ الأرض"، إلخ، لا تنصب إلا مفعولا به واحد، وإن كانت قلبية فإنها تنصب مفعولين كما ذكرت لكم قبل قليل، ? إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا ?6?
وَنَرَاهُ قَرِيبًا ?7? ? [المعارج: 6، 7] ، وإن كانت حُلمية فكذلك، تنصب مفعولين، قالوا ومنه قول الشاعر:
أبو حنشٍ يؤرقني وطلق...... وعمّارٌ وآونة أُثالى
أراهم رفقتي حتى إذا ما...... تجافى الليل وانخزل انخزال
إذا أنا كالذي يجري لورد.... إلى آلٍ فلم يدرك بلال
" أراهم رفقتي حتى إذا ما تجافى الليل وانخزل انخزالا "، الآن دليل على أن هذه الرؤية رؤية منامية، والشاهد عندنا في قوله " أراهم رفقتي"، فإن "أرى" هنا حُلمية، وقد نصبت مفعولين، الأول هم قولهم "هم"، والثاني هو قوله "رُفقتي".