ننتقل الآن إلى باب النائب عن الفاعل، قال المصنف (وهو الاسم المرفوعُ الذي لم يُذكَر معه فاعلُهُ) ، وفي رأيي أن هذا التعريف ليس جامعًا ولا مانعًا، أما كونه غير جامع، فإنه لمّا عرفه قال هو الاسم المرفوع، وليس كل أنواع النائب عن الفاعل تكون مرفوعة، بل ينوب عن الفاعل أحيانًا الجار والمجرور، وأحيانًا الظرف، وأحيانًا المصدر، ومع ذلك لا تكون مرفوعة، فليس كل ما ينوب عن الفاعل مرفوعًا. هذه واحدة، أما كونه غير مانع فإنهم يدخلوا في هذا التعريف نحو قولك مثلا "محمدٌ حاضرٌ"، "محمد"ٌ مبتدأ وهو مرفوع، و"حاضرٌ" خبر وهو مرفوع، ولم يذكر مع كلمة "محمدٌ" فاعلها، ولذلك قد يدخل على هذا التعريف أن تعرب كلمة "محمدٌ" هنا على أنها نائب فاعل لأنه لم يُذكر معها فاعل، إذًا نقول هذا التعريف ليس جامعًا وليس مانعًا، لكن لو ذُكر مثلا الذي إذا حُذف الفاعل ينوب غيره منابه مع تغييرٍ في الصيغة يمكن أن يكون هذا الكلام مقبولا.
وقد تتساءل، ألم تقل لنا يا أستاذ إن الفاعل عمدة، فلماذا نحذفه وننيب غيره منابه؟ نقول لا يخلو أن يُحذف الفاعل وينوب غيره مقامه لإغراض، أحيانًا تكون الأغراض لفظية، وأحيانًا تكون الأغراض معنوية، أما كون الأغراض لفظية فكاستقامة الوزن في الشعر، ويُمثلون له بقول الأعشى:
علقتها عرضا وعلقت رجلا غيري وعُلق أخرى غيرها الرجل
فـ "عُلق" هنا في مواضعها الثلاثة قد بُنيت للمفعول لأنه لو ذكر فقال "علقني الله بها" مثلا، لانكسر الوزن عليه، فهذا غرضٌ لفظي، هناك غرضٌ لفظيٌّ آخر، وذلك في السجع، إذا أرادوا استقامة السجعة فقد يحذفون الفاعل ويقيمون غيره مقامه، فمثلا يقولون "من طابت سريرته حُمدت سيرته"، قالوا لو قالوا "حمد الناس سيرته" لكان هذا انتقضت عليه السجعة لأن الأول هنا كما ترون "من طابت سريرته"، فستصير سيرته هذه منصوبة، فسيقولون "حمد الناس سيرته" فتختل السجعة، هذان الغرضان لفظيان، ويوجد هناك أغراض معنوية، وهي كثيرةُ، أذكر لكم بعضها.
أما من الأغراض المعنوية فقد يكون ـ وهذا أغلب ما يكون ـ:
للجهل بالفاعل، الفاعل غير معروف، فتقول مثلا "سُرق المتاع"، لأنك ما تعرف من السارق، فتحذف الفاعل وتقيم غيره مقامه، هذا الأول.
الثاني: الخوف من الفاعل، أنك لو ذكرت مثلا "سرق زيدٌ المتاع" لأتى الفاعل هذا وسرق متاعك.