والذي أراه أن الشارح قد أوجز حين قال: (تحاشي الريب أي التباعد عن التهم) ، وقد كان يحسن أن يقول: (تحاشي الريب أي تجنبها بالتباعد عنها) . فالتحاشي في الأصل هو التنحي أي الاعتزال. كما ذكرناه، فإذا أردت أن تلحظ في هذا معنى التجنب عديت (تحاشى) تعدية، (تجنب) المتعدي بنفسه. والتجنب والاجتناب هو الاعتزال كذلك، في الأصل، لكنك تقول جنبته الشر فتجنبه أي وقيته إياه فتوقاه. ففي الأساس: "وقيل للترس، مجنَب ـ بوزن مبرد ـ لأنه يجنب صاحبه أي يقيه مايكره". فأنت إذا أشربت (التحاشي) أي الابتعاد والتنحي معنى (التجنب) ، فقد لحظت فيه معنى (التوقي) . وأنت تقول (جنبته موارد الزلل فتجنبها) ، أي توقاها وتحاشاها، وليس يسد مسد ذلك أن تقول (فتحاشى عنها) ، إذا حاد وابتعد. فصح بذلك قولك (تحاشيت عنه) إذا تباعدت، (وتحاشيته) إذا تجنبته.
وهكذا تقول (تحاميته) ، كما مرَّ بنا، إذا توقيته فحميت نفسك منه، فالفعل متعد، ولم يرد في نصوص المعاجم لازماً، لكنه جاء في المقامة (البشرية) لأبي الفضل بديع الزمان الهمذاني "قد كانت تحامت عن ذلك الطريق/446"، فما الرأي فيه؟ ... أقول يقال في تصويب هذا، أي تصويب تعدية (تحامى) بالحرف، والأصل فيه التعدي، ما قيل في تصويب (تحاشاه) والأصل فيه اللزوم، فقد قال بعيد الزمان في مقامته (قد كانت تحامت عن ذلك الطريق) فأوجز، والأصل أن يقول (قد كانت تحامت ذلك الطريق ـ أي توقته ـ متباعدة عنه) ، فصح بهذا أن الكاتب قد ضمَّن (تحامى) المتعدي بنفسه، ومعناه توقى، معنى (تباعد) فعدَّاه بالحرف الذي يتعدى به.
ويسدد هذا ماجاء في كتاب (الفروق) لإسماعيل حقي (ص109) : "والتضمين أن يقصد بلفظ معناه الحقيقي، ويلاحظ معنى آخر يناسبه. ويدل عليه بذكر شيء من متعلقات الآخر، كقولك: أحمد إليك فلاناً، فأنك لاحظت مع الحمد معنى الإنهاء ودللت عليه بذكر صلته، أي كلمة ـ إلى ـ أي أحمد منهياً إليك حمدي إياه".