نام کتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين نویسنده : الأنباري، أبو البركات جلد : 1 صفحه : 206
فبلَّلَهُ: فعل ماضٍ، وهو في موضع الحال؛ فدلَّ على جوازه.
وأما القياس فلأن كل ما جاز أن يكون صفة لنكرة نحو "مررت برجل قاعد، وغلام قائم" جاز أن يكون حالًا للمعرفة نحو "مررت بالرجل قاعدًا، وبالغلام قائمًا"، والفعل الماضي يجوز أن يكون صفة للنكرة نحو "مررت برجل قَعَدَ، وغلام قامَ" فينبغي أن يجوز أن يقع حالًا للمعرفة نحو "مررت بالرَّجُلِ قَعَدَ، وبالغلام قَامَ" وما أشبه ذلك.
والذي يدلّ على ذلك أنا أجمعنا على أنه يجوز أن يُقَال الفعل الماضي مُقَامَ الفعل المستقبل، كما قال تعالى: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ} [المائدة: 110] أي: يقول، وإذا جاز أن يقام الماضي مقام المستقبل جاز أن يقام مقام الحال.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا: إنه لا يجوز أن يقع حالًا وذلك لوجهين؛ أحدهما: أن الفعل الماضي لا يدل على الحال؛ فينبغي أن لا يقوم مقامه، والوجه الثاني: أنه إنما يصلح أن يوضع موضع الحال ما يصلح أن يقال فيه "الآن" أو "الساعة" نحو: "مررت بزيد يضرب، ونظرت إلى عمرو يكتب" لأنه يحسن أن يقترن به الآن أو الساعة، وهذا لا يصلح في الماضي، فينبغي أن لا يكون حالًا؛ ولهذا لم يجز أن يقال: "مازال زيد قام، وليس زيد قام" لأن "ما زال، وليس" يطلبان الحال، و "قام" فعل ماضٍ؛ فلو جاز أن يقع حالًا لوجب أن يكون هذا جائزًا؛ فلما لم يجز دلَّ على أن الفعل الماضي لا يجوز أن يقع حالًا، وكذلك لو قلت "زيد خلفك قام" لم يجز أن يجعل "قام" في موضع الحال؛ لما بيَّنَّا، ولا يلزم على كلامنا إذا كان مع الماضي "قد" حيث يجوز أن يكون حالًا نحو "مررت بزيد قد قام" وذلك لأن "قد" تقرب الماضي من الحال، فجاز أن يقع معها حالًا، ولهذا يجوز أن يقترن به الآن أو الساعة فيقال: "قد قام الآن، أو الساعة" فدلَّ على ما قلناه.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما احتجاجهم بقوله تعالى: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النساء: 90] فلا حجة لهم فيه، وذلك من أربعة أوجه؛
= الجملة الفعلية التي فعلها ماضٍ حالًا من غير أن يقرن الفعل بقد، والكوفيون يستدلون بهذا البيت وما أشبهه على أنه يجوز أن يقع الفعل الماضي حالًا من غير أن يقرن بقد، فأما البصريون فيزعمون أنه لا بَدَّ حينئذٍ من اقتران الفعل الماضي بقد في اللفظ أو في التقدير، وعلي هذا تكون "قد" مقدرة ههنا قبل الفعل، والإنصاف أن الاستدلال بنفس الكلام الوارد عن العرب، وقد رأينا أن فصحاءهم يجيئون بالفعل الماضي حالًا غير مقرون بقد، فأما التقدير فلا دليل عليه.
نام کتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين نویسنده : الأنباري، أبو البركات جلد : 1 صفحه : 206