نام کتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين نویسنده : الأنباري، أبو البركات جلد : 1 صفحه : 119
قولهم شيء أعظم الله أي وَصَفَهُ بالعظمة، كما يقول الرجل إذا سمع الأذان: كَبَّرْتَ كبيرًا، وعَظَّمَتَ عَظِيمًا، أي وصفته بالكبرياء والعظمة، لا صيّرته كبيرًا عظيمًا، فكذلك ههنا، ولذلك الشيء ثلاث معانٍ: أحدها: أن يُعْنَى بالشيء مَنْ يعظمه من عباده، والثاني: أن يعنى بالشيء ما يدل على عظمة الله تعالى وقدرته من مصنوعاته: والثالث: أن يعنى به نفسه، أي أنه عظيم لنفسه لا لشيء جعله عظيمًا، فرقًا بينه وبين خلقه.
وحُكِيَ أن بعض أصحاب أبي العباس محمد بن يزيد الْمُبَرِّد قَدِمَ من البصرة إلى بغداد قبل قدوم الْمُبَرِّد إليها، فحضر في حلقة أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب، فسئل عن هذه المسألة، فأجاب بجواب أهل البصرة، وقال: التقدير في قولهم "ما أحسن زيدًا" شيء أحسن زيدًا، فقيل له: ما تقول في قولنا "ما أعظم الله"؟ فقال: شيء أعظم الله، فأنكروا عليه، وقالوا: هذا لا يجوز؛ لأن الله تعالى عظيم لا بِجَعْلِ جاعل، ثم سَحَبُوه من الحلقة وأخرجوه، فلما قَدِمَ الْمُبَرِّد إلى بغداد أوردوا عليه هذا الإشكال، فأجاب بما قدمنا من الجواب، فبَانَ بذلك قبح إنكارهم عليه، وفساد ما ذهبوا إليه.
وقيل: يحتمل أن يكون قولنا "شيء أعظم الله" بمنزلة الإخبار أنه عظيم، لا على معنى شيء أعظمه؛ فإن الألفاظ الجارية عليه سبحانه يجب حملها على ما يليق بصفاته، ألا ترى أن "عسى، ولعل" فيها طَرَفٌ من الشك، ولايحمل في حقه سبحانه على الشك، وكذلك الامتحان يحمل منا على معانٍ تستحيل في حقه سبحانه، إلى غير ذلك مما لا يُحْصَى كثرةً، فكذلك ههنا: يكون المراد بقولهم "ما أعظم الله" الإخبار أنه عظيم، لا شيء جعله عظيمًا لاستحالته؛ وإن كان ذلك يقدَّر في غيره لجوازه وعدم استحالته.
وأما قول الشاعر
[79]
ما أَقْدَرَ اللهَ أن يُدْنِي على شَحَطٍ ... مَنْ دَارُه الحَزْنُ ممن دَارُهُ صُولُ
فإنه وإن كان لفظه تعجب فالمراد به المبالغة في وصف الله تعالى بالقدرة، كقوله تعالى {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} [مريم: 75] فجاء بصيغة الأمر، وإن لم يكن في الحقيقة أمرًا؛ لامتناع ذلك في حق الله تعالى، وإن شئت قدَّرته تقدير: "ما أَعْظَمَ الله" على ما بيَّنَّا، والله أعلم.
نام کتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين نویسنده : الأنباري، أبو البركات جلد : 1 صفحه : 119