وهكذا كان مصير اللهجة السلتية التي بقيت بمقاطعة البريتون Bretagne1 "في القسم الغربي من فرنسا على سواحل الأطلانطيق"، فقد أخذت تتهزم أمام اللغة الفرنسية منذ أن تغلغل نفوذ فرنسا في هذه المقاطعة، حتى لم يبق لها إلّا آثار ضئيلة في لغة الحديث بين الأميين من الشيوخ[2]. واللغة الفرنسية قد تغلبت على لهجات المناطق المجاورة لها ببلجيكا وسويسرا، فأصبحت الآن لغة الحديث والكتابة لجميع سكان "والونيا" Wallonie ببلجيكا, ولنحو 22 في المائة من سكان سويسرا. واللغة الإيطالية قد تغلبت على لهجات المناطق المجاورة لها بسويسرا، فأصبحت الآن لغة الحديث والكتابة لنحو 5،[3]% من سكان هذه الجمهورية. واللغة العربية قد تغلبت في العصور السابقة للإسلام على اللغة اليمنية بحكم الجوار وتغلغل نفوذ العرب في البلاد اليمنية مع توافر الشروط الأخرى[3].
وعلى هذا الأساس نفسه تتغلب في الدولة الواحدة لغة المقاطعة التي تكون بها العاصمة, أو يكون لأهلها السلطان والنفوذ, فلوقوع عاصمة بلجيكا "بروكسل" في مقاطعة "والونيا" ذات اللسان الفرنسي[4] ولأن سكان هذه المقاطعة يتمتعون بقسط كبير من النفوذ
1 انظر ص198 "رقم 6". [2] ظلت هذه المقاطعة تتمتع بشيء من استقلالها الذاتي حتى عام 1491، "في عهد شارل الثامن", ومن ذلك العهد اعتبرت تابعة للتاج الفرنسي, ولكن لم يتم ضمها إلى فرنسا إلّا عام 1532 في عهد فرنسوا الأول. وانقرضت كذلك من لغة الحديث بين أبناء الجيل الحاضر, وكادت تنقرض من لغة الشيوخ أنفسهم, وقد زرت هذه المقاطعة وقضيت عدة أشهر متنقلًا في بلادها, فلم أسمع هذه اللغة إلّا من عدد قليل من الشيوخ الأميين، وحتى هؤلاء أنفسهم لا يتكلمون لغتهم هذه إلّا فيما بينهم, أما مع غيرهم فيتكلمون الفرنسية, ولكن ينال كلماتها وتراكيبها وأساليبها في ألسنتهم كثير من التحريف. [3] انظر تفصيل ذلك في الفصلين الرابع والسادس من كتابنا "فقه اللغة". [4] وهو القسم الجنوبي من بلجيكا، وينحدر سكانه من أصول سلتية ولاتينية, على حين أن القسم الشمالي المسمى بالفلاندر Flandre ينحدر سكانه من أصل جرماني, ويتكلمون اللغة الفلامندية Flam التي يتألف منها ومن اللهجات الهولندية فرع اللغات النثرلاندية Neerlandaises, وهو أحد فروع اللغات الجرمانية الغربية. "انظر آخر ص198 رقم 7 وأول ص199.