الباب الرابع عشر: باب حبَّذا
[الأصل في حبَّذا]
إن قال قائل: ما الأصل في "حبَّذا"؟ قيل: الأصل في "حبَّذا": حَبُبَ ذا؛ إلا أنه لَمّا اجتمع حرفان متحركان من جنس واحد، استثقلوا اجتماعهما متحركين، فحذفوا حركة الحرف الأول، وأدغموه في الثاني؛ فصار: حبَّ، وركبوه مع ذا، فصار بمنزلة كلمة واحدة؛ ومعناها المدح، وتقريب الممدوح من القلب.
فإن قيل: فَلِمَ قلتم إن الأصل: حَبُبَ: على فعُل، دون فَعَل وفَعِل[1]؟ قيل: لوجهين:
أحدهما: أن اسم الفاعل منه حبيب، على وزن: فعيل؛ وفعيل أكثر ما يجيء في ما فعله: فَعُل؛ نحو: شَرُفَ فهو شريف، وظَرُفَ فهو ظريف، ولَطُفَ فهو لطيف، وما أشبه ذلك.
والوجه الثاني: أنه قد حكي عن بعض العرب: أنه نقل الضمة من الباء إلى الحاء؛ كما قال الشاعر[2]: [الطويل]
[فَقُلْتُ اقتلوها عنكُمُ بمزاجها] ... وحُبَّ بها مقتولة حين تُقْتَلُ3
فدل على أن أصله: فَعُل.
فإن قيل: فَلِمَ جعلوهما بمنزلة كلمة واحدة؟ قيل: إنما جعلوهما بمنزلة كلمة واحدة طلبًا للتخفيف على ما جرت به عادتهم في كلامهم. [1] في "س" حبَّ على وزن فَعَل وفَعِل. [2] هو الأخطل: غياث بن غوث؛ أحد أشهر ثلاثة شعراء في العصر الأمويّ مع جرير والفرزدق؛ له ديوان شعر مطبوع. مات سنة 90هـ. الشعر والشعراء 1/ 483.
3 المفردات الغريبة: اقتلوها: الضمير عائد إلى الخمرة؛ وقتلها: أي مزجها بالماء.
موطن الشاهد: "حُبَّ" وجه الاستشهاد: ضم الحاء في "حَبَّ" وذكر الشاهد للقياس عليه. وفي البيت شاهد آخر، وهو مجيء فاعل "حُبَّ أو حَبَّ" غير "ذا" ولكن يشترط إذا كان الفاعل "ذا" فتح الحاء في "حَبَّ".