النهي؛ ولعوامل النصب والجزم موضع، نذكرها فيه إن شاء الله تعالى.
[تعريف المبني وأقسامه]
وأما المبني فهو ضد المعرب، وهو ما لم يتغير آخره بتغير العامل فيه؛ فمن ذلك: الاسم غير المتمكن، والفعل غير المضارع[1]؛ فأما الاسم غير المتمكن؛ فنحو: مَنْ، وكم، وقبل، وبعد، وأين، وكيف وأمسِ، وهؤلاء.
[الأسماء غير المتمكنة وعِلّة بنائها]
وإنما بنيت هذه الأسماء؛ لأنها أشبهت الحروف، وتضمنت معناها؛ فأما: "من" فإنها بنيت؛ لأنها لا تخلو: إما أن تكون استفهاميّة، أو شرطية، أو اسْمًا موصولاً، أو نكرة موصوفة، فإن كانت استفهامية فقد تضمنت معنى حرف الاستفهام، وإن كانت شرطية، فقد تضمنت معنى حرف الشرط، وإن كانت اسْمًا موصولاً، فقد تنَزّلت منزلة بعض الكلمة، وبعض الكلمة مبني، وإن كانت نكرة موصوفة، فقد تنزلت منزلة الموصوفة[2]. وأما "كم" فإنما بنيت؛ لأنها لا تخلو: إما أن تكون استفهامية، أو خبرية، فإن كانت استفهامية، فقد تضمنت معنى حرف الاستفهام، وإن كانت خبرية، فهي نقيضة "رب"؛ لأن "رب" للتقليل، و"كم" للتكثير، وهم يحملون الشيء على ضده كما يحملونه على نظيره. وأما "مَنْ" و"كم" فبنيت على السكون؛ لأنه الأصل في البناء، ولم يعرض فيهما ما يوجب بناءهما على حركة؛ فبقيا على الأصل. وأما: قَبْلُ وبَعْدُ فإنما بنيا؛ لأن الأصل فيهما أن يستعملا مضافين إلى ما بعدهما، فلما اقتطعا عن الإضافة -والمضاف مع المضاف إليه بمنزلة كلمة واحدة- تنزلا منزلة بعض الكلمة، وبعض الكلمة مبني؛ قال الله تعالى: {لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذ} [3]، وإنما بنيا على حركة؛ لأن كلّ واحد منهما كان له حالة إعراب قبل البناء؛ فوجب أن يُبْنَيَا على حركة تَمَيُّزًا لهما على ما بني، وليس له حالة إعراب؛ نحو: "من" و"كم"، وقيل: إنما بنيا على حركة؛ لالتقاء الساكنين؛ والقول الصحيح هو الأول. فإن قيل: فلم كانت الحركة ضمة؟ قيل: لوجهين؛ أحدهما: أنه لما حُذِفَ المضاف إليه بنيا على أقوى الحركات؛ وهي الضم4، [1] في "س" والفعل المضارع، وهو سهو. [2] في "س" الموصولة. [3] س: 30 "الروم، ن: 4، مك".
4 في "س" وهو الضمة، وفي إحدى النسخ: وهو الضم -وهو الصواب- لأن حُذّاق النحاة يسمّون الضم والفتح عندما تكونان علامة بناء، والضمة والفتحة عندما تكونان علامة رفع ونصب؛ أي حين تكون الضمة علامة رفع، والفتحة علامة نصب.