ولأن هذا العامل فعل متصرِّف؛ فجاز تقديم معموله عليه، كما جاز تقديم الحال على العامل فيها؛ نحو: "راكبًا جاء زيد"؛ لأنه/من/[1] فعل متصرّف، فكذلك ههنا. والصحيح: ما ذهب إليه سيبويه، وأما ما استدل به المازني والمبرّد من البيت؛ فإن الرواية الصحيحة فيه:
وما كاد[2] نفسي بالفراقِ تطيب
وذلك لا حُجة/ لهم/[3] فيه، ولئن صحَّت تلك الرواية؛ فنقول: نصب "نفسًا" بفعل مقدر، كأنه قال: "أعني نفسًا". وأما قولهم: إنه فعل متصرف، فجاز تقديم معموله عليه، كالحال؛ قلنا: هذا العامل -وإن كان فعلاً متصرفًا- إلا أن هذا المنصوب هو الفاعل في المعنى، فلا يجوز تقديمه على ما بيّنَّا، وأما تقديم الحال على العامل فيها، فإنما جاز ذلك؛ لأنك إذا قلت: "جاء زيد راكبًا" كان "زيد" هو الفاعل لفظًا ومعنى، وإذا استوفى الفعل فاعله تنزل4 "راكبًا" منزلة المفعول المحض، فجاز تقديمه كالمفعول؛ نحو: "عمرًا ضرب زيد" بخلاف التمييز، فإنك إذا قلت: "تصبب زيد عرقًا" لم يكن "زيد" هو الفاعل في المعنى، وكان الفاعل في المعنى هو "العرق" فلم يكن "عرقًا" في حكم المفعول من هذا الوجه؛ لأن الفعل قد استوفى فاعله لفظًا لا معنى، فلم يجز تقديمه، كما لا يجوز تقديم الفاعل.
[ما كان العامل فيه غير فعل]
وأما ما كان العامل فيه غير فعل؛ فنحو: "عندي عشرون رجلاً، وخمسة عشر درهمًا" وما أشبه ذلك، فالعامل فيه هو العدد؛ لأنه مُشبه بالصفة المشبّهة باسم الفاعل؛ نحو: "حسن وشديد" وما أشبه ذلك، ووجه المشابهة بينهما أن العدد يُوصَف به، كما يوصف بالصفة المشبهة باسم الفاعل، وإذا[5] كان في العدد نون نحو: "عشرون" أو تنوين مُقدر؛ نحو: "خمسةَ عشرَ" صار النون والتنوين مانعين من الإضافة؛ كالفاعل الذي يمنع المفعول من الرفع، فصار التمييز فضلةً كالمفعول، وكذلك[6] حكم ما كان منصوبًا على التمييز في ما كان [1] سقطت من "س". [2] في "س" كان. [3] سقطت من "ط".
4 في "ط" ينزل. [5] في "س" فإذا. [6] في "س" فكذلك.