نام کتاب : رحلة ابن بطوطة - ط أكاديمية المملكة المغربية نویسنده : ابن بطوطة جلد : 2 صفحه : 17
وكانت الابلّة مدينة عظيمة يقصدها تجار الهند وفارس فخربت وهي الآن قرية بها آثار قصور وغيرها دالّة على عظمها، ثم ركبنا في الخليج من بحر فارس في مركب صغير لرجل من أهل الأبلّة يسمّى بمغامس وذلك فيما بعد المغرب فصبحنا عبّادان «65» ، وهي قرية كبيرة في سبخة لا عمارة بها، وفيها مساجد كثيرة ومتعبّدات ورباطات للصالحين وبينها وبين الساحل ثلاثة أميال.
قال ابن جزي: عبّادان كانت بلدا فيما تقدّم وهي مجدبة لا زرع بها وانّما بجلب اليها، والماء أيضا بها قليل وقد قال فيها بعض الشعراء،
من مبلغ أندلسا أنّني ... حللت عبّادان أقصى الثّرى
أوحش ما أبصرت لا كنّني ... قصدت فيها ذكرها في الوارى
الخبز فيها يتهادونه ... وشربة الماء بها تشترى!!
رجع، وعلى ساحل البحر منها رابطة تعرف بالنسبة إلى الخضر وإلياس عليهما السلام، وبازايها زاوية يسكنها أربعة من الفقراء بأولادهم يخدمون الرابطة والزاوية، ويتعيّشون من فتوحات الناس وكلّ من يمرّ بهم يتصدّق عليهم، وذكر لي أهل هذه الزاوية أنّ بعبّادان عابدا كبير القدر، ولا أنيس له، ياتي هذا البحر مرّة في الشهر فيصطاد فيه ما يقوته شهرا ثم لا يرى إلا بعد تمام شهر، وهو على ذلك منذ أعوام، فلمّا وصلنا عبّادان لم يكن لي شأن إلا طلبه، فاشتغل من كان معي بالصلاة في المساجد والمتعبّدات، وانطلقت طالبا له فجئت مسجدا خربا فوجدته يصلّي فيه فجلست إلى جانبه، فأوجز في صلاته، ولمّا سلّم أخذ بيدي، وقال لي: بلّغك الله مرادك في الدنيا والآخرة! فقد بلغت بحمد الله مرادي في الدنيا وهو السيّاحة في الأرض وبلغت من ذلك ما لم يبلغه غيري فيما أعلمه، وبقيت الأخرى والرجا قوّى في رحمة الله وتجاوزه وبلوغ المراد من دخول الجنّة.
ولمّا أتيت أصحابي أخبرتهم خبر الرجل واعلمتهم بموضعه فذهبوا اليه فلم يجدوه ولا وقعوا له على خبر فعجبوا من شأنه! وعدنا بالعشى إلى الزاوية فبتنا بها ودخل علينا أحد الفقراء الأربعة بعد صلاة العشاء الآخرة، ومن عادة ذلك الفقير أن يأتي عبّادان كلّ ليلة فيسرج السرج بمساجدها ثم يعود إلى زاويته، فلما وصل إلى عبّادان وجد الرجل العابد فأعطاه سمكة طريّة، وقال له أوصل هاذه إلى الضيف الذي قدم اليوم، فقال لنا الفقير عند
نام کتاب : رحلة ابن بطوطة - ط أكاديمية المملكة المغربية نویسنده : ابن بطوطة جلد : 2 صفحه : 17