لم يكن هذا البحر بحراً في قديم العهد اعني بحر القلزم وإنما هو بحر مستجد فتحه ذو القرنين ويقال بعض التبابعة. وكان الموجب على ما ذكره جماعة من أهل البلاد منهم الأمير أبو الطامي جياش بن نجاح في كتاب المفيد في أخبار زبيد قال: لمّا وصل ذو القرنين إلى هذا الوادي نظر فوجد به شدة الحر ففتحه أي نقر صدر الوادي، فخرج البحر وخرج عرق منه إلى قلزم ووقف عنده ويقال إنّ أرض الحبشة كانت متصلة ببلاد العرب فقال ذو القرنين: أردنا إنّ نفرق ما بين الإقليمين ليعرف كل صاحبه ويجوز كل أرضه وبلاده وينقطع ماء بين القوم من تغلب والتعدي. فلما فتح البحر افترق الإقليمين كل إقليم بذاته، فصارت الحبشة تخوض البحر بالخيل والرجل وتغزو أرض العرب. وبني بعض العرب على جبل مندب حصنا يسمى بعد ومد بسلسلة من بر العرب إلى بر الحبشة معارض، فكل مركب يصل يمر تحت السلسلة حتى كان يخرج منه ويسافر إلى أي جهة يشاء وأراد. وبقى الحصن على حاله إلى أن هدمه التبابعة ملوك الجبل ويقال بنو زريع ملوك عدن والأصح الحبشة ملوك زبيد ورفعت السلسلة، وبقى أثرها إلى الآن. ويقال إنّ في ذلك الزمان ما كان لسفارة البحر جواز إلا على باب المندب لأنه كان أغزر موضع في البحر. وكان ما بقى منه فشات ووضح وبطون والأولاد يلعبون في الماء بها، والآن صارت المراكب تسافر من وراء ظهره. وهو بحر عميق طويل عريض لكثرة المياه ونذكر ما بقى إذا وصلنا عدن. ويوجد في سواحله العنبر والغالب ما يجده الصيادون.
ذكر الفقرات
وفي أواخر بطن الوادي يعني العمرية ثلاث تلال حصا يكون بين كل واحدة إلى الأخرى مقدار ثلاثين ذراعا زائد لا ناقص، فسألت عن حالهم فقال لي بعض الجمالين: إنّ التلول أثر ثلاث فقرات فقرها بعض الجبابرة في زمن الجاهلية كل فقرة تل حصا ليعرف وهم من جملة العجائب. وثغر بين المجالين وبين السقيا. ويسمى هذا الخبت مطاران لأن ما يروى بها أهلها الماء إلا أيام المطارات. وعلى عين الدرب أثر مسجد فيه أثر ناقة معاذ بن جبل رضي الله عنه وهو موضع فاضل. وإلى العارة ثلاث فراسخ.
بناء المزدوية المرة
فلما قتل النجاشي بأرض الحبشة ونجا من نجا من القتل وسكن هذه البلد سميت المزدوية لأنهم أزدوا بأرواحهم لئلا تعطب كمولاهم وسلامة خدامه دون الغير. قال أبن المجاور: وما سميت المرة إلا إنّ حياتهم رجعت مرة لتشتتهم من أرضهم وبلادهم ومفارقة الأهل والولد. فلما انقرضت تلك الأمة سكنها قوم عرب سموهم المريين وبقوا سكانها إلى أن حجزت البلاد وضاعت العباد وارتحلوا منها. حدثني ريحان مولى علي بن مسعود بن علي قال: إنهم نزلوا بربرة وأعمالها وبقى نسلهم في بر السودان والمعروفين بالمريين وهم الآن ذوو قبائل وعشائر، وبنت بعدهم العرب مدينة الأخضرين فوق العارة. حدثني يوسف بن خميس بن أبي بكر قال: إنّه كان مسكن الصيادين والدليل على ذلك إنهم إلى الآن يجدون عظام السمك. حدثني موسى بن ديفل قال: بل كانت مدينة عظيمة فلما خربت بناها الفرس الواردين من أهل سيراف المنذرية تحت العارة على هذا البحر وبها آثار جامعين كبيرين ومساجد وطواحين الغلال وطواحين القرظ ترى بين شجر الأراك. قال أبن المجاور: وكل مدينة بناها الفرس من أهل سيراف بنوا فيها المدابغ وعملوا بها طواحين القرظ ولا شك إنّ القوم كانوا دباغين. وقال حكيم: لم يخرج من اليمن إلا وغدا أو رائض قرد أو دابغ جلد. وقال لي أخي أحمد بن محمد بن مسعود: وكيف هذا؟ قلت كاموا يدبغون الأدم ويجلب إليهم من أعلى مكة ونجران إلى عمان ومن حلى بنى زهرة إلى كرمان ومن الكيس وجنانة وفارس ومن بني مكرمان ومن زبلع ورحيتو والمنذرية من عدن إلى مكة. وكان بنزف جميع هذا الأدم إلى العراق وخراسان وكرمان وما وراء النهر وخوارزم وهجر فكان يتفرق في أقاصي الأرض ودانيها. وما كان يبن كما ينزف في عصرنا هذا للقوة من ما بين سائر الأمكنة برا وبحرا إلى الهند ولم يؤثر جميع ذلك فيها أثرا فيها كما يقال: لا تنظر إلى طول المنارة ولكن أنظر إلى الجامع.
ذكر حشمة أهل المنذرية