المدينة في هذا المقام حجة، لأن أهل المدينة أدرى بشعابها.
أما أدلة القائلين بأن الثنية في طريق مكة، فليس عندهم إلّا خبر نشيد «طلع البدر» وأنه قيل في مقدم الرسول إلى المدينة يوم الهجرة، استنادا إلى أن فرحة أهل المدينة بمقدم رسول الله، إنما كانت يوم الهجرة وليس عندهم إلّا خبر ضعيف، نقله ابن حجر في الفتح قال: وأخرج أبو سعيد في «شرف المصطفى» من طريق عبيد الله بن عائشة منقطعا قال: لما دخل النبي صلّى الله عليه وسلّم المدينة، جعل الولائد يقلن «طلع البدر» .
قال ابن حجر وهو سند معضل ...
وبالإضافة إلى ضعف هذا الخبر، فإنه لم ينصّ على أن دخول الرسول المدينة كان مقدمه من مكة وإنما قال: «لما دخل النبيّ المدينة» . وقد دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة، عشرات المرات.
وأخيرا نصل إلى القول: إن «ثنية الوداع» المشهورة في المدينة النبوية هي الثنية الشامية، ولا ننكر وجود ثنية أخرى في طريق مكة، ولكن الثنية المقصودة عند الإطلاق هي الثنية الواقعة في شامي المدينة عند أول طريق «سلطانة» أبي بكر الصديق.
ثالثا: سند نشيد «طلع البدر» ومتنه. أما سند الخبر فهو ضعيف، لأن ابن عائشة راوي الخبر، متوفى بعد المائتين، ولم أجده متصل الإسناد في كتاب من كتب الحديث، ولم يرو هذا الخبر واحد من أصحاب الكتب الستة، ولم يروه ابن هشام في السيرة، ولا ابن سعد في الطبقات.. لا في خبر الهجرة النبوية، ولا في خبر غزوة تبوك.
ومما جاء في الأحاديث الصحيحة من وصف فرحة أهل المدينة بمقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الهجرة، ما أخرجه الحاكم عن أنس، قال: فخرجت جوار من بني النجار يضربن بالدّف وهنّ يقلن:
نحن جوار من بني النجار ... يا حبذا محمد من جار
وفي البخاري باب «مقدم النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه المدينة» [7/ 260 من الفتح] عن البراء بن عازب.. قال: ثم قدم النبي صلّى الله عليه وسلّم فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله، حتى جعل الإماء يقلن: قدم رسول الله..» .
وفي رواية «فخرج الناس حين قدم رسول الله المدينة في الطرق وعلى البيوت الغلمان والخدم وهم يقولون: جاء محمد رسول الله الله أكبر.. الحديث» .
ولعل نشيد «طلع البدر» مقول فيما بعد ترجمة عن حال المسلمين في المدينة يوم استقبلوا رسول الله. ونحن لا ننكر جمال النشيد، وصحة معانيه، ولكننا نذكر حوله الملاحظات التالية:
1- في النشيد رقة وليونة لا تناسب