رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكرنا ذلك له، فغضب وقام خطيبا.. ونهى عن المتعة، فتوادعنا يومئذ فسمّيت ثنية الوداع. وروى ابن شبة بسنده عن جابر أيضا قال:
إنما سمّيت ثنية الوداع لأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أقبل من خيبر ومعه المسلمون قد نكحوا النساء نكاح المتعة، فلما كان بالمدينة قال لهم: دعوا ما في أيديكم من نساء المتعة، فأرسلوهنّ، فسميت ثنية الوداع. (تاريخ المدينة 1/ 270) .. وفي الأوسط عن جابر: فسميت بذلك ثنيّة الوداع وما كانت قبل إلا «ثنية الركاب» . [عن وفاء الوفا 1168] . وقال عياض: وقيل: سميت ثنية الوداع، لوداع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعض المسلمين المقيمين بالمدينة في بعض خرجاته. وقيل: ودّع فيها بعض أمراء سراياه. وإذا ثبت أن الاسم إسلامي، يسقط الاستشهاد بنشيد (طلع البدر) على أنه قيل في بداية الهجرة النبوية.
ثانيا: أين تقع الثنية المذكورة في نشيد (طلع البدر علينا) ومتى قال أهل المدينة هذا النشيد، إن كانوا قد قالوه؛ وهل هناك ثنيتان، وأيهما الأشهر وإلى أيّ الثنيتين ينصرف الذهن إذا قيل: «ثنية الوداع» ؟
قال قوم: إن ثنية الوداع، في طريق تبوك والشام، وهي الواقعة في بداية طريق أبي بكر الصديق (سلطانة) وأنت خارج من المدينة، ويكون على يسارك اليوم، جبل سلع وإلى يمينك بداية طريق العيون المؤدي إلى جبل الراية، فإذا كنت داخلا إلى المدينة فإن جبل سلع على يمينك، وعلى يسارك بداية طريق العيون ثم بداية طريق سيد الشهداء المؤدي إلى جبل أحد.
وقال آخرون: إنّ ثنية الوداع التي وردت في النشيد، والأكثر شهرة، تقع في طريق مكة السابق، الذي يمر ببدر، وأنها المدرّج الذي ينزل منة إلى بئر عروة بالجنوب الغربي للمدينة..
وننظر في أدلة الفريقين، لنرى أي الفريقين أقوى حجة:
ونبدأ بالأدلة التي تؤيّد أن ثنية الوداع هي التي في طريق تبوك في شامي المدينة بين فلقتين من جبل سلع: ومن الأدلة ما رواه البخاري في الصحيح عن السائب بن يزيد قال: «أذكر أني خرجت مع الصبيان نتلقى النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى ثنية الوداع مقدمه من غزوة تبوك» الفتح 8/ 127. وروى ابن حبّان عن أبي هريرة قال: خرجنا مع رسول الله في غزو تبوك، فنزلنا ثنية الوداع ... الحديث» .
وقال ابن سعد في سرية مؤته (في ديار الأردن) وخرج النبي صلّى الله عليه وسلّم مشيّعا لهم حتى بلغ ثنية الوداع فوقف وودعهم، وعسكروا بالجرف- شامي المدينة-. وفي السيرة النبوية لابن هشام (في غزوة تبوك) فلما خرج