بارَكْنا حَوْلَهُ، لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [1] ، ومن المتفق عليه بين أهل التفسير أن المسجد الحرام، هو مسجد مكة، والمسجد الأقصى هو مسجد القدس، ووصف بالأقصى: لأنه لم يكن حينئذ بعده مسجد. وقوله تعالى: باركنا حوله: يريد بركات الدين والدنيا، لأنه متعبد الأنبياء منذ هبط الوحي على الأرض، وهو محفوف بالأنهار الجارية والأشجار المثمرة [2] ، وباركنا حوله، قالوا: هي الشام، ولكن إذا كانت القدس مركز البركة، فإن فلسطين هي أكثر ما تنال من البركة، لأنها الأقرب، ثم تتوزع البركة في دوائر لتشمل الشام كلها، إذا صح أن المقصود ب (حوله) الشام، وليس فلسطين بخاصة، وإذا ثبت أن «المسجد الأقصى» هو مسجد قدسنا المطهر الشريف، فإن ذلك يدل على أن المسجد كان موجودا [1] سبحان: علم للتسبيح والتقديس والتنزيه، مثلما يقال: «عثمان» للرجل. وهو منصوب دائما بفعل محذوف لا يذكر، تقديره: أسبّح الله سبحان، فهو مفعول مطلق، ومعناه: ما أبعد الذي له هذه القدرة عن جميع النقائص. وفي قوله تعالى: «أسرى بعبده ليلا» ذكر ما قد يفهم المعنى بدونه، لأن الإسراء والسرى، لا يكون إلا ليلا، فلماذا ذكر الله تعالى «ليلا» .. في هذا نكتة بلاغية تفيد في قوة المعنى؛ وتعليلها من وجوه: الأول: أن الإسراء، يدل على أمرين: أحدهما: السير، والاخر: كونه ليلا، فأراد الله بذكره (ليلا) إفراد أحدهما بالذكر تثبيتا في نفس المخاطب، وتنبيها على أنه مقصود بالذكر، كقوله تعالى: وقال الله: «لا تتخذوا إلهين اثنين، إنما هو إله واحد» ، فالاسم الحامل للتثنية دال عليها، وعلى الرقم، فأراد التنبيه على أن المقصود «التثنية» لتوكيده. وفي قوله: «هو إله واحد» ذكر «واحد» لأن المقصود الوحدانية، والوجه الثاني: أنه أراد تصوير السير بصورته في ذهن السامع. والوجه الثالث: أنه أراد بقوله: «ليلا» بلفظ التنكير، تقليل مدة الإسراء، وأنه أسري به بعض الليل، فالتنكير دلّ على البعضية، ويؤيده قراءة «من الليل» ، أي: بعض الليل. [2] روي أن إبراهيم عليه السلام لمّا هاجر من العراق، قيل له: إلى أين؟ قال: إلى بلد يملأ الجراب فيها بدرهم. وقال تعالى في قصة إبراهيم: «ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين» . وكانت نجاة إبراهيم إلى فلسطين، فهي الأرض التي بارك الله فيها. ومن باب المبالغة في بركات الدنيا التي حظيت بها فلسطين يذكر المؤرخون، أن موسى عليه السلام، أرسل جواسيسه إلى فلسطين، وعندما وجدوا فيها قوما جبارين، هالهم منظرهم مع تعلقهم بخيراتها، فحملوا معهم وهم عائدون عنقود عنب من أرض الخليل، حمله رجلان منهم.