قد حلها كل جود ... وأمها كل مله
بدت لديها بدور ... دارت عليها الأهلة
يمم ذراها لتلقى ... بأفقها المجد كله فاستحسن ذلك فخر الدين، قال: وكان نزولنا في جنوبي نهر معقل وبينه وبين نهر الأبلة في الجنوب فرسخ، ويخرج من أعلى هذا النهر فيض ومن أصل النهر الآخر فيض يختلطان فيصير منهما النهر الذي يمتد مع البصرة في شرقيها، ويجمع ذلك المكان أصناف الزهر وأشتات الرياحين والنخل، فأنشد فخر الدين:
انظر إلى نهرين قد أخرجا ... من دجلة ما لهما من مثيل
وإن تشا قلت أرى دارغاً ... في كل كف منه سيف صقيل
والنخل والأدواح قد أحدقت ... تحكي رعيلاً قد تلاه رعيل ولما دخل الططر مدينة السلام أبقوه على جباية البلاد لمعرفته بها ثم قدموه للشنق سنة تسع وخمسين وستمائة لأنهم اتهموه بمواطأة صاحب مصر عليهم.
أبطير (1)
حصن بالأندلس بمقربة من بطليوس من بناء محمد بن أبي عامر، من جليل الصخر داخله عين ماء خوارة، وهو اليوم خال، وعلى مقربة منه بنحو ثلاث غلاء [2] قبر في نشز من الأرض قد نحت في حجر وقد نضد عليه صفائح الحجارة ويعرف بقبر الشهيد ولا يعلم له وقت لقدمه، يرفع عنه بعض تلك الصفائح فيرى صحيح الجسم لم يتغير، نابت الشعر. أبركاوان
جزيرة في البحر بينها وبين سيراف مائة وخمسون فرسخاً وفيها قلاع شتى وفيها أجوان كثيرة ومستقى ومحتطب كثير، وفيها معادن الحديد، وطولها اثنا عشر فرسخاً، وبينها وبين ساحل بحر فارس فرسخان.
ابرشهر
هي مدينة نيسابور، وقصدها غازياً الأحنف بن قيس من قبل ابن عامر فلقيه الهياطلة فقاتلهم فهزمهم، ثم أتى ابن عامر نيسابور فافتتح مدينة ابرشهر هذه، قيل صلحاً وقيل عنوة، وفتح ما حولها: طوس وبيورد ونسا وسرخس، ولما افتتحها ابن عامر أعطوه جاريتين من آل كسرى.
أبيض المدائن
ويقال له القصر الأبيض، وهو الذي لا يدرى من بناه وهو من المدينة العتيقة من المدائن دار ملك الأكاسرة بالعراق، وهو المشار إليه في حديث النسائي [3] عن البراء بن عازب رضي الله عنهما، قال: لما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحفر الخندق عرض لنا فيه حجر لا يأخذ فيه المعول فاشتكينا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقى ثوبه وأخذ المعول بيده وقال: " بسم الله " فضرب ضربة فكسر ثلث الصخرة، قال صلى الله عليه وسلم: " الله أكبر. أعطيت مفاتيح الشام والله إني لأنظر قصورها الحمر الآن من مكاني هذا "، قال: ثم ضرب أخرى وقال: " بسم الله " وكسر ثلثاً آخر وقال: " الله أكبر. أعطيت مفاتيح فارس والله إني لأنظر قصر المدائن الأبيض "، ثم ضرب ثالثة وقال: " بسم الله " فقطع بقية الحجر وقال: " الله أكبر. أعطيت مفاتيح اليمن والله إني لأنظر باب صنعاء "، وهذا الحديث أوضح في المعنى من حديث سلمان رضي الله عنه الذي في السير [4] ، وذلك أن المدائن على مسافة يوم من بغداد ويشتمل مجموعها على مدائن متصلة مبنية على جانبي دجلة شرقاً وغرباً، ودجلة تشق بينها ولذلك سميت المدائن: الغربية منها تسمى بهرسير، والمدينة الشرقية تسمى العتيقة، وفيها القصر الأبيض الذي لا يدرى من بناه، ويتصل بهذه المدينة العتيقة المدينة الأخرى التي كانت الملوك تنزلها، وفيها إيوان كسرى العجيب الشأن الشاهد بضخامة ملك بني ساسان، ويقال إن سابور ذا الأكتاف منهم هو الذي بناه وهو من أكابر ملوكهم وقد ذكر أبو عبادة البحتري هذا القصر الأبيض وما كان مصوراً فيه من الصخور العجيبة والتماثيل البديعة في قصيدته السينية البارعة الفريدة [5] :
حضرت رحلي الهموم فوجه؟ ... ت إلى أبيض المدائن عنسي
أتسلى عن الحظوظ وآسى ... لمحل من آل ساسان درس
ذكرتنيهم الخطوب التوالي ... ولقد تذكر الخطوب وتنسي
(1) برفنسال: 11 والترجمة: 16 ولم يعرف بها. [2] الغلاء: جمع غلوة، وهي رمية السهم. [3] سنن النسائي؛ باب الجهاد (6: 43) وليس فيه رواية عن البراء بن عازب، وإنما الرواية عن البراء في مسند احمد 4: 303 قريبة الشبه بما أورده المؤلف. [4] انظر ابن هشام 2: 219. [5] ديوان البحتري: 1152.
بعامة) ، أو مشاهدته الخاصة لبلد ما، ولو كان هذا البلد هو سبتة نفسها، أو علاقاته الشخصية ببعض الناس المقاربين لعصره أو المعاصرين له. إننا لن نجد إنساناً شديد الحرص على إنكار ذاته، كما نجد الحميري، وكأنه يقول بلسان الحال: أريد أن أرتب معجماً جغرافياً، معتمداً في ذلك على الانتقاء من عدد من المصادر، دون أن يكون لي أي رأي ذاتي أو عرض لتجربة خاصة.
كتاب الروض المعطار
1 - اسم الكتاب
ورد اسمه في المخطوطتين المعتمدتين: " الروض المعطار في خبر الأقطار " وكذلك ذكرته المخطوطات التي راجعها بروفنسال، وذكر في طبعة فلوجل من كشف الظنون مرة باسم " الروض المعطار في أخبار الأقطار " [1] ومرة أخرى باسم " روض المعطار في خبر الأقطار ". وحين نقل عنه صاحب نفح الطيب جعل اسمه " الروض المعطار في ذكر الأقطار "؛ وواضح أن التسمية التي اتفقت عليها المخطوطات هي الوجه الأرجح. [2] - خطة المؤلف في كتابه
بين المؤلف في مقدمة كتابه حدود الخطة التي ألتزمها في تأليفه، فقد أراد أن يصنع معجماً جغرافياً مرتباً على حروف ليسهل على الطالب كشف اسم الموضع الذي يريده؛ ولما كان استقصاء المواضع جميعاً أمراً عسيراً، فقد وضع نصب عينيه:
(1) أن يكون المكان مشهوراً. [2] أن يكون مما اتصل به " قصة أو حكمة أو خبر طريف أو معنى مستملح مستغرب ".
ولهذا فهو يعدل عن ذكر الأمكنة الغريبة التي لا تتعلق بذكرها فائدة أو خبر يحسن إيراده. ومعنى ذلك أنه يريد من كتابه أن يكون معجماً جغرافياً تاريخياً - جغرافياً يصف الأقطار وما تتميز به، وتاريخياً بذكر الأخبار والوقائع المتصلة بتلك البلدان. وقد قاس كتابه إلى كتاب " نزهة المشتاق " فوجده أكثر فائدة، لأن نزهة المشتاق يوجز حتى في وصف البلدان، ويكثر القول في ذكر المسافات، ولا يهتم كثيراً بالأحداث التاريخية، وليس فيه إيراد لما يستملح أو يستغرب إلا في مواطن قليلة.
كذلك فإن الحميري جعل الإيجاز - أو حاول أن يجعله - أساس خطته في ذلك الكتاب. [1] في طبعة استانبول من كشف الظنون: 920 (الروض المعطار في أخبار الأقطار " الأمصار ") على أن تحل إحدى اللفظتين الأخيرتين محل الأخرى.