وأعظم في أعين الأعاجم، فقال له عمر رضي الله عنه: يا يزيد لا والله لا أتزين للناس بما يشينني عند الله تعالى ولا أريد أن يعظم أمري عند الناس ويصغر عند الله عز وجل، ثم سار حتى أتى إيليا فخرج إليه أبو الجعيد فصالحه، وكتب له عمر رضي الله عنه كتاباً [1] أمنهم فيه على أنفسهم وذراريهم ونسائهم وأموالهم وكنائسهم واشترطوا أن لا يساكنهم اليهود فيها، فلما قبضوا كتاب الصلح فتحوا للمسلمين أبواب إيليا، فدخل عمر رضي الله عنه والمسلمون معه، وسخر عمر رضي الله عنه أنباط أهل فلسطين في كنس بيت المقدس، وكانت فيه مزبلة عظيمة، وجاء عمر رضي الله عنه ومعه كعب فقال: يا أبا إسحاق أتعرف موضع الصخرة؟ فقال: اذرع من الحائط الذي يلي موضع كذا، كذا وكذا ذراعاً ثم احفر فإنك تجدها، قال: وهي يومئذ مزبلة، فحفروا فظهرت، فقال عمر رضي الله عنه لكعب: أين ترى أن نجعل قبلة المسجد قال: اجعلها خلف الصخرة فتجمع القبلتين قبلة موسى وقبلة محمد صلى الله عليهما وسلم، قال: ضاهيت اليهود يا أبا إسحاق، خير المساجد مقدمها. قال: فبنى القبلة في مقدم المسجد، ثم بنى عبد الملك بن مروان مسجد بيت المقدس سنة سبعين، وحمل إلى بنيانه خراج مصر سبع سنين، وبنى القبة على الصخرة وجعل على أعلى القبة ثمانية آلاف صفيحة من نحاس مطلية بالذهب، في كل صفيحة سبعة مثاقيل ونصف من ذهب، وأفرغ على رؤوس الأعمدة مائة ألف مثقال ذهباً وخارج القبة كلها ملبس بصفائح الرصاص، وطول مسجد بيت المقدس بالذراع الملكي ويقال إنه ذراع سليمان عليه السلام وهو ثلاثة أشبار سبعمائة وخمس وخمسون ذراعاً، وفيه من الأساطين ستمائة وأربع وثمانون اسطوانة، والعمد التي في قبة الصخرة ثلاثون عموداً وفيه خمسة آلاف قنديل توقد فيه ليلة كل جمعة.
الإيوان
هو إيوان كسرى بدار ملك الأكاسرة المدائن من العراق وبالمدينة العتيقة منها التي كان ينزلها ملوك بني ساسان، ويقال إن سابور ذا الأكتاف هو الذي بناه، وهو من أكابر ملوكهم. وهذا الإيوان هو الذي يقول فيه البحتري من قصيدة وصف في أولها القصر الأبيض فأجاد ما شاء ثم قال يصف الإيوان هذا:
وكأن الإيوان من عجب الصن؟ ... عة جوب في جنب أرعن جلس
يتظنى من الكآبة إذ يب؟ ... دو لعيني مصبح أو ممسي
مزعجاً بالفراق عن أنس ألف ... عز أو مرهقاً بتطليق عرس
عكست حظه الليالي وبات ال؟ ... مشتري فيه وهو كوكب نحس
فهو يبدي تجلداً وعليه ... كلكل من كلاكل الدهر مرس
لم يعبه إن بز من بسط الديبا ... ج واستل من سور الدمقس
مشمخر تعلو له شرفات ... رفعت في رؤوس رضوى وقدس
لابسات من البياض فما تب؟ ... صر منها إلا غلائل ورس
لست تدري أصنع أنس لجن ... صنعوه أو صنع جن لأنس
غير أني أراه يشهد أن لم ... يك بانيه في الملوك بنكس وروي أن أبا جعفر المنصور [2] لما أفضت الخلافة إليه هم بنقض هذا الإيوان واستشار في ذلك جلساءه وذوي الرأي عنده من رجاله، فكلهم وافقه على رأيه وأشار عليه بما يطابق هواه إلا خالد بن برمك فإنه قال له: لا تفعل يا أمير المؤمنين فإنه آية الإسلام وإذا رآه من يأتي في مستقبل الزمان علم أن أصحاب مملكته لم يغلبوا عليه إلا بأمر من الله تعالى وتأييد أمد به المسلمين الذين قهروهم، وبقاؤه فخر لكم وذكر ومع ذلك فالمؤونة في هدمه أكثر من العائد منه فاستغشه المنصور في ذلك فقال له: يا خالد أبيت إلا ميلاً مع العجمية ثم أمر بنقض الإيوان، [1] انظر نص الكتاب في الطبري 1: 2405. [2] قارن بما أورده ياقوت، ((الايوان)) .