يطلب حسان من إفريقية المدائن والذهب والفضة والشجر ونحن إنما نريد منها المراعي والمزارع فما أرى لكم إلا خراب إفريقية، فوجهت البربر يقطعون الشجر ويهدمون الحصون، قالوا: وكانت إفريقية من طرابلس إلى طنجة ظلاً واحداً وقرى متصلة فأخربت ذلك كله، فخرج من النصارى ثلاثمائة رجل مستغيثين بحسان مما نزل بهم من الكاهنة من خراب الحصون وقطع الشجر، وكان قد وجه إليه عبد الملك بن مروان يأمره بالنهوض إلى إفريقية قبل أن تخربها الكاهنة، فوافق ذلك قدوم الروم عليه وقدوم رسول خالد بن يزيد عليه، فرجع بجميع عسكره إلى إفريقية؟ فيقال إن الكاهنة خرجت ناشرة شعرها تقول: يا بني انظروا ماذا ترون، فقالوا: نرى شيئاً من سحاب أحمر، قالت: بلى وإلهي ما هو إلا رهج خيل العرب قد أقبلت إليكم، ثم قالت لخالد بن يزيد الذي كانت أسرته: إنما كنت تبنيتك لمثل هذا اليوم، أما أنا فمقتولة ولكن أوصيك بأخويك هذين خيراً، تريد ولديها، فانطلق بهما إلى العرب فخذ لهما أماناً. فانطلق بهما خالد بن يزيد فأخذ لهما أماناً، ولقي حسان وهو مقبل يريد الكاهنة، فوصل إلى قابس فلقيته الكاهنة، وكانت مع حسان جماعة من البربر فولى عليهم الأكبر من ولدي الكاهنة وأكرمه وأقربه، ولقيته الكاهنة في جيوش عظيمة فاقتتلوا فهزمهم الله تعالى، وانهزمت الكاهنة تريد قلعة بشر لتتحصن بها فأصبحت القلعة لاصقة بالأرض فهربت تريد جبل أوراس ومعها صنم عظيم من خشب كانت تعبده يحمل بين يديها على جمل، فتبعها حسان حتى قرب من موضعها، فلما كان الليل قالت الكاهنة لابنيها: إني مقتولة وإن رأسي تركض به الدواب وتمضي به إلى المشرق من حيث تطلع الشمس وأراه موضوع بين يدي ملك العرب الذي بعث إلينا بهذا الرجل، فقال لها خالد بن يزيد وولداها: فإذا كان الأمر هكذا عندك فارحلي وخلي البلاد، قالت: وكيف أفر وأنا ملكة والملوك لا تفر من الموت فأقلد قومي عاراً إلى آخر الدهر، قالوا لها: أفلا تخافين على قومك قالت: إذا أنا مت فلا أبق الله منهم أحداً في الدنيا، فقال لها خالد بن يزيد وولداها: فما نحن صانعون؟ فقالت: أما أنت يا خالد بن يزيد فستنال ملكاً عظيماً عند الملك الأعظم وأما أولادي فسيدركون بإفريقية ملكاً عظيماً مع هذا الملك الذي يقتلني، ثم قالت لهم: اركبوا فاستأمنوا إليه فركب خالد بن يزيد وولداها بالليل إلى حسان، فلما أصبح حسان زحف إليها، وأقبلت الكاهنة راجعة إليه فلقيت أعنة الخيل خالداً وولديها فسلموا عليهم ومضوا بهم إلى حسان فدخل ابن يزيد على حسان وأخبره بما قالت الكاهنة، وأنها وجهت إليه بولديها فأمر بهما حسان فأدخلهما ووكل بهما قوماً، وقدم خالد بن يزيد على أعنة الخيل، فالتقى القوم ووضعوا السلاح بعضهم على بعض ووقع الصبر، وانهزمت الكاهنة وقتلت عند بئر سماه الناس بئر الكاهنة إلى اليوم، ويقال إنها قتلت عند طبرقة، فنزل حسان على الموضع الذي قتلت فيه وعجب الناس من خلقها وكانت الأترجة تجري فيما بين عجيزتها وأكتافها.
ثم إن الروم تحزبوا بعد ذلك وأجمعوا على قتال حسان فقاتلهم فهزمهم الله تعالى، وخافته البربر فاستأمنوا إليه فلم يقبل منهم حتى أعطوه من جميع قبائلهم اثني عشر ألف فارس يكونون مع العرب فأجابوه وأسلموا على يديه، وعقد لولدي الكاهنة بعد إسلامهما لكل واحد منهما ستة آلاف فارس من البربر، وأخرجهم مع العرب يفتتحون إفريقية ويقتلون الروم، فمن أجل ذلك صارت الخطط بإفريقية للبربر فكان يقسم الفيء بينهم والأراضي، وحسنت طاعتهم له، فدانت له إفريقية ودون الدواوين.
أوش (1)
من مدن فرغانة بينها وبين قبا عشرة فراسخ، وهي مدينة عامرة، وقهندزها عامر ودار الإمارة والحبس في القهندز، وعلى ربضها سور وهي ملاصقة للجبل الذي عليه مرقب الأتراك الذي تحرس منه ولها ثلاثة أبواب.
أولية السهلة (2)
بالأندلس قريبة من قرطبة تعرف بالرملة وهي أم الأقاليم، كثيرة الأهل واسعة الخطة مثمرة الأرضين، بها ديار للعجم متقنة البنيان في إحداها أربع سوار مجزعة من نفيس الرخام في نهاية العظم والطول عليها الناقوس.
أوريط (3)
مدينة قديمة بالأندلس كانت عظيمة مذكورة مع طليطلة، وهي معها في حد واحد من مدن قسطنطين، وإنما عمرت قلعة رباح وكركي بخراب أوريط.
(1) انظر ياقوت: (أوش) ، وابن حوقل: 420.
(2) بروفنسال: 34،والترجمة: 43.
(3) بروفنسال: 33، والترجمة 42 (Oreto) .