صوت جليسه لكثرة غوغاء الناس، وتجاراتهم إنما هي بالتبر ليست عندهم فضة.
وبأودغشت مبان حسنة رفيعة، وأهلها أخلاط من جميع الأمصار قد استوطنوها لكثرة خيرها ونفاق أسواقها وتجاراتها، هكذا حكي وكأنه مناقض لما سبق، ولعل ذلك في وقتين مختلفين. وحريم أودغشت لا يوجد مثله في بلد، يجلب منها جوار بيض الألوان رشيقات القدود لطاف الخصور ضخام الأرداف واسعات الأكتاف ضيقات الفروج، المستمتع بإحداهن كأنما يستمتع ببكر أبداً من غير أن ينكسر لإحداهن ثدي طول عمرها، وأخبرني [1] من رأى امرأة منهن بمدينة أودغشت راقدة على جنبها وكذلك يفعلن في أكثر أحوالهن اشفاقاً من الجلوس على أردافهن ورأى ابناً لها طفلاً يلعب حواليها، وهو يدخل تحت خصرها ويخرج من الجهة الأخرى من غير أن تتجافى له، وذلك لعظم ردفها ودقة خصرها.
وبين مدينة بريسي [2] وأودغشت اثنتا عشرة مرحلة، وليس في بلاد السودان شيء من الفواكه الرطبة ولا اليابسة إلا ما يجلب إليها من التمر من بلاد سجلماسة أو بلاد الزاب يجلبه إليهم أهل واركلان الصحراء. والنيل يجري في هذه الأرض من المشرق إلى المغرب وينبت على ضفتيه شجر الأبنوس والشمشار والخلاف والطرفاء والأثل غياضاً متصلة وبها يستظلون عند شدة الحر وحمارة القيظ، وفي غياضها الأسد والزراريف والغزلان والضبعان والأرانب والقنافذ، وفي النيل أنواع من السمك وضروب من الحيتان الكبار والصغار، ومنه طعام أكثر السودان يتصيدونه ويملحونه وهو في غاية الحسن والغلظ.
وأسلحة أهل هذه البلاد القسي وعليها عمدتهم ويتخذون الدبابيس من شجر الأبنوس ولهم فيها حكمة وصناعة متقنة، وأما قسيهم فمن القصب وحليهم النحاس وخرز الزجاج.
وهي بلاد حر ووهج شديد، وأهل المدن منها يزرعون البصل والقرع والبطيخ ويجلب منها سودانيات طباخات محسنات تباع الواحدة منهن بمائة دينار كبار وأزيد لحسن عمل الأطعمة الطيبة ولا سيما أصناف الحلاوات مثل الجوزينيات واللوزينجات والقاهرات والكنافات والقطائف والمشهدات وأصناف الحلاوات فلا يوجد أحذق بصنعتها منهن. ومنها تجلب الدرق الجيدة فإن اللمط بأرض أودغشت كثير جداً ويجلب أيضاً منها العنبر الطيب لقربها من البحر المحيط، ويجلب منها الذهب الإبريز الخالص خيوطاً مفتلة، وذهب أودغشت أطيب ذهب الأرض وأصحه، وكان صاحب أودغشت في عشر خمسين وثلاثمائة [3] رجلاً من صنهاجة وكانت له جيوش كثيرة فدانت له أزيد من عشرين ملكاً من ملوك السودان كلهم يؤدون إليه الجزية، وكان عمله مسيرة شهرين في مثلها في عمارة متصلة، وكان يعتد في أزيد من مائة ألف نجيب فإن الخيل في تلك البلاد قليلة، فيقال إنه غزا ملكاً من ملوك السودان فدخل بلده وأحرقه وقتل جنده والملك في قصره ينظر إليه، فلما رأى ما حل ببلده هان عليه الموت فخرج ورمى بدرقته إلى الأرض وقاتل حتى قتل، فلما عاين نساؤه ذلك تردين في الآبار وقتلن أنفسهن بضروب القتل أسفاً على ملكهن وأنفة أن يملكهن البيضان. وبين أودغشت وسجلماسة نحو خمسين مرحلة ومنها إلى غانة نحو عشرين مرحلة.
أسكر (4)
قرية على شط النيل في البلاد المصرية، وهي على الضفة الشرقية من النيل مياسرة للصاعد، يذكر أن فيها مولد موسى الكليم صلوات الله عليه.
أوجلة (5)
مدينة بينها وبين برقة في البر عشر مراحل، وهي مدينة صغيرة متحضرة، وهي في ناحية البرية يطيف بها نخل وغلات لأهلها، ومنها يدخل إلى كثير من أرض السودان، والوارد عليها والصادر عنها قليل، وأرض أوجلة وبرقة واحدة، وشرب أهلها من المواجل. أوليل (6)
جزيرة في الإقليم الأول من أرض السودان على مقربة من الساحل وبها ملاحة مشهورة ولا يعلم في بلاد السودان ملاحة غيرها، ومنها يحمل الملح إلى جميع بلاد السودان، ومن هذه الجزيرة إلى مدينة سلى ست عشرة مرحلة. [1] هذا ما قاله البكري. [2] في الأصل: برسين، والتصويب عن نزهة المشتاق، وقد عاد غلى النقل عنه، انظر الإدريسي (ب) : 5، والنزهة: 12 (نسخة آياصوفيا) . [3] في الأصل: وخمسمائة.
(4) ص ع: أو سكون، وهو خطأ متابعه لابن جبير: 57؛ وقد مرت أسكر: 52.
(5) الإدريسي (ب/ د) : 99/ 133.
(6) الإدريسي (ب/ د) : 3/ 2.