والحمى بها دائمة، وزعم الجاحظ أن عدة من قوابل الأهواز أخبرنه أنه ربما قبلن المولود فوجدنه محموماً، وجمعت مع ذلك كثرة الأفاعي في جبلها المطل عليها وكثرة العقارب.
وكان صاحب الأهواز الهرمزان وفتحها وما يليها حرقوص بن زهير كما قدمناه وكانت له صحبة، بعث به عتبة بن غزوان من البصرة بأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وحكى البلاذري [1] أن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه غزا سوق الأهواز في ولايته حين شخص عتبة بن غزوان من البصرة آخر سنة خمس عشرة وأول سنة ست عشرة فقاتله البيروان [2] دهقانها ثم صالحه على مال ثم إنه نكث، فغزاها أبو موسى الأشعري رضي الله عنه حين ولي البصرة بعد المغيرة وفتح سوق الأهواز عنوة وفتح نهر تيرى عنوة وولي ذلك بنفسه في سنة سبع عشرة. وروي أنهم غدروا وافتتحت رام هرمز عنوة في آخر أيام أبي موسى، وفتح أبو موسى سرق على مثال رام هرمز.
والأهواز موضع يجمع سبع كور، وبلغ عمر رضي الله عنه أن حرقوصاً نزل جبل الأهواز والناس يختلفون إليه والجبل كؤود يشق على الناس، فكتب إليه: بلغني أنك نزلت منزلاً كؤوداً لا يؤتى إلا على مشقة، فأسهل ولا تشقق على مسلم ولا معاهد وقم في أمرك على رجل تدرك الآخرة وتصف لك الدنيا ولا تدركنك فترة ولا عجلة فتكدر دنياك وتذهب آخرتك. أهناس (3)
موضع في صعيد مصر، قال الجاحظ: ولد عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم بكورة أهناس، ونخلة مريم قائمة بأهناس إلى اليوم.
أوطاس (4)
وادي ديار هوازن فيه اجتمعت هوازن وثقيف، إذ أجمعوا على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالتقوا بحنين ورئيسهم عوف بن مالك النضري، وقال لهم دريد بن الصمة وهو في شجار يقاد به بعيره: بأي واد أنتم؟ قالوا: بأوطاس، قال: نعم مجال الخيل لا حزن ضرس ولا لين دهس، وهي قصة حنين بطولها، وفيها قال الله تعالى " ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً " وقد استوفى خبر هذه القصة ابن إسحاق [5] .
أوارة (6)
موضع لبني تميم كانت فيه قصة لعمرو بن هند عم النعمان بن المنذر على بني دارم، وكان أسعد بن المنذر أخا عمرو بن هند، وكان مسترضعاً في بني تميم في بني دارم في حجر حاجب بن زرارة، وقيل في حجر زرارة، فخرج يوماً متصيداً فلم يصب شيئاً فمر بإبل سويد بن ربيعة الدارمي فنحر منها بكرة فقتله سويد فقال عمرو بن لقيط الطائي يحرض عمرو بن هند:
من مبلغ عمراً بأ ... ن المرء لم يحلق صباره
وحوادث الأيام لا ... تبقى عليهن الحجاره
ها إن عجزة أمه ... بالسفح أسفل من أواره
تسفي الرياح خلال كش؟ ... حيه وقد سلبوا أزاره
فاقتل زرارة لا أرى ... في القوم أوفى من زراره فنذر عمرو بن هند، وكان شديد البأس، أن يقتل من بني تميم مائة من خيارهم بدل ذلك المقتول، فغزاهم يوم القصيبة ويوم أوارة ثم أقسم ليحرقن منهم مائة رجل فلهذا سمي محرقاً، فأخذ له منهم تسعة وتسعون رجلاً، فقذفهم في النار، وأراد أن يبر قسمه بعجوز منهم ليكمل العدة التي أقسم عليها، فلما أمر بها قالت: ألا فتى يفدي هذه العجوز بنفسه، ثم قالت: هيهات، صارت الفتيان حمماً [7] وأقبل رجل من البراجم كان أبصر الدخان ووجد قتار لحومهم على بعد فظن أنه طعام يصنع للناس، فلما بلغ ورأى ما رأى جزع فقال عمرو: انظروا ممن الرجل، فأتي به إليه، فقال: ممن أنت: قال: من البراجم، فقال عمرو: إن الشقي وافد البراجم [8] ألقوه في النار ليتم نذري، فتم نذره بالبراجم من بني تميم، وفي ذلك يقول جرير يعير الفرزدق وينسب بني تميم إلى الشره والنهم:
أين الذين بنار عمرو حرقوا ... أم أين اسعد فيكم المسترضع [1] فتوح البلدان: 464. [2] فتوح البلدان: البيرواز.
(3) انظر ياقوت: ((أهناس)) .
(4) معجم ما استعجم 1: 212. [5] ابن هشام 2: 437.
(6) شرح النقائض: 652 - 654، 1084 - 1087. [7] مجمع الأمثال 1: 266 - 267. [8] مجمع الأمثال 1: 7.