الترك نفوساً وأنفذهم عزماً وأنجحهم طلباً، ولهم عند ملوكهم حظوة وإعزاز ولهم أموال واسعة.
ومدينة ملكهم خاقان مدينة عظيمة لها أسوار حصينة وأبواب حديد، وللملك بها أجناد وعساكر والملوك بها تهاب سلطانه وتخاف سطوته، وهو ملك عظيم لا يتولى الملك فيهم إلا وهو من أهل الملك. وملك الكيماكية يلبس عليه [1] الذهب وقلنسوة الذهب ويظهر لأهل مملكته في أربعة أوقات من السنة، وله حاجب ووزراء ودولة عادلة، وأهل دولته يحبونه لإحسانه إليهم ونظره في أمورهم، وله قصور ومبان شامخة ومنتزهات وهمم عالية وكرم طبع، وأهل مدينة أسطور، لا يقولون بالهموم ولا تجدها قلوبهم ولا يكترثون بالمصائب، وهم أخصب أهل البلاد وأطيبهم معايش وأكثرهم انفاقاً وأعلاهم همماً ولباسهم الحرير الأحمر والأبيض، ولا يلبس هذا النوع منهم إلا الخاصة، والمياه تخترق أزقتهم وأسواقهم، ومنهم من يدين بدين الصابئة.
اسفرايين
هي مهرجان [2] في آخر عمل نيسابور من خراسان وبينهما خمس مراحل وقيل اثنان وثلاثون فرسخاً، وهي مدينة كبيرة فيها أسواق ومياه جارية وخانات. اسفي
مرسى اسفي في أقصى المغرب، وفي بعض الأخبار أن الشيطان نزغ بين بني حام وبني سام أو ساسان، فوقعت بينهم مناوشات وحروب كانت الدائرة فيها لسام وبنيه، وكان آخر أمر حام أن هرب إلى ناحية مصر وتفرق بنوه، ومضى على وجهه يؤم المغرب حتى انتهى إلى السوس الأقصى إلى موضع يعرف اليوم باسفي، وهو آخر مرسى تبلغه المراكب من عند الأندلس إلى ناحية القبلة وليس بعده للمراكب مذهب، وخرج بنوه في أثره يطلبونه فكل طائفة من ولده بلغ موضعاً وانقطع عنهم خبره أقامت بتلك الناحية وتناسلوا فيه، ولما مات دفنوه بنوه في حجر منقور في جبل أصيلا.
ووقوف المراكب عند اسفي[3] لأنه آخر مرسى تصل إليه المراكب كان فيما سلف، وأما الآن فهي تجوزه بأربعة مجار. واسفي عليها عمارات وبشر كثير من البربر، والمراكب تحمل منها أوساقها في وقت السفر وسكون حركة البحر المظلم، ومن مرسى اسفي إلى مرسى ماست مائة وخمسون ميلاً وقد أوردنا في ذكر اشبونة خبر القوم المغررين الذين ركبوا البحر المظلم ليقفوا على نهايته انهم صيروا إلى موضع اسفي، وأن جماعة من البربر رأوهم فتعرفوا أمرهم فقال زعيمهم وا أسفي تحسراً عليهم لما قاسوه، فسمي المكان إلى اليوم اسفي بتلك الكلمة.
اسنخوا (4)
مدينة بالصين، وهي على بطحاء أرض ممتدة لا ينبت بها شيء إلا الزعفران غرساً ومن ذات نفسه برياً، ومنها يتجهز بالزعفران إلى سائر أمصار الصين ويباع بها منه ما يعم الكل كثرة وطيباً، وقد يعمل بهذه المدينة الحديد [5] والغضار، وليس في بلاد الصين صنعة أجمل من الفخار والرسم، لا يقدمون على الرسم والتصوير صنعة، وإنما تلحق بها في الفضل عندهم صنعة الفخار حتى إنهم يسمون الفخار خالقاً صغيراً والمصور خالقاً كبيراً، ولا يفوق الرسم عندهم صنعة، وملوك الهند والصين لا يتركون الرسم بل يقولون به ويتعلمونه، لا يدني الملك من أولاده إلا أرسمهم وأمهرهم في صنعة الرسم.
أسوان (6)
في الصعيد آخر بلاد مصر، وفي بلادهم من الجبال والأوعار التي تحول بينهم وبين النوبة ولولا هي لأفسدت النوبة بلاد مصر، والنيل إنما يهبط من بلاد النوبة على صخور وأوعار لا يدخل ذلك الموضع مركب، وأسوان من ثغور النوبة إلا انهم في أكثر الأوقات مهادنون، وكذلك مراكب مصر لا تصعد في النيل إلا إلى مدينة أسوان فقط وهي في آخر الصعيد الأعلى. وإلى أسوان تصعد المراكب من فسطاط مصر وعلى أميال منها جبال وأحجار يجري النيل في وسطها وهذا الموضع فارق بين سفن الحبشة في النيل وسفن المسلمين.
وأسوان مدينة صغيرة كثيرة الحنطة وسائر أنواع الحبوب والفواكه والبطيخ الأخضر وسائر البقول، وبها اللحوم الكثيرة من البقر والغزلان والمعز وغيرها من صنوف اللحم العجيبة البالغة في الطيب والسمن وأسعارها أبداً رخيصة، وبها تجارات وبضائع تحمل منها إلى بلاد النوبة، وليس يتصل بأسوان من جهة المشرق [1] النزهة: حلة. [2] مهرجان اسمها القديم، كما ذكره ياقوت. [3] قارن الإدريسي (د/ ب) : 74/ 49.
(4) نزهة المشتاق: 148. [5] نزهة: الحرير.
(6) الإدريسي (د) : 21، ونزهة المشتاق: 27، والمروج 3: 40.