إلى البطرباج بحصن انقولاية ويعظمونه في كتبهم، واليهود في حصن انقولاية في ذل وصغار عظيم إنما هم أقل من العبيد يشتم المرء منهم ويضرب فلا ينطق بلفظة، والحنطة وجميع الحب الذي يختبز قليل بحصن انقولاية إنما تكثر عندهم الفواكه والأشربة. أنصنا (1)
مدية في البلاد المصرية قديمة شرقي النيل وهي حسنة البساتين والمتنزهات كثيرة الثمار والفواكه ويقال إن سحرة فرعون كانوا منها، وجلبهم منها يوم الموعد للقاء موسى عليه السلام، ويقال إن التمساح لا يضر بعدوة أنصنا، ويقال إنها مطلسمة وإنها بها بقية من السحر.
وحكى ابن هشام [2] أن مارية سرية النبي صلى الله عليه وسلم التي أهداها له المقوقس صاحب الإسكندرية منها من حفن من كورة أنصنا.
وأكثرها الآن خراب وكان بها بربى لم يبق منه اليوم إلا بيت واحد كأنه من صخرة واحدة، وقيل إن مرسى أنصنا لا يقربها التمساح والناس منه آمنون هنالك وأكثر ما يكون عدواناً بالشاطئ الذي يقابل أنصنا فإذا صارت التماسيح في حد أنصنا تحولت على ظهرها حتى تجاوز حدها وكذلك تصنع بفسطاط مصر فوق المدينة بعشرة أميال حتى تخرج من حد المدينة بمثل ذلك.
أنطالة
حصن عظيم ومعقل منيع من حصون جزيرة صقلية فيه تحصن محمد بن عباد [3] القائم بأمر المسلمين في جزيرة صقلية، فلما كانت سنة ست عشرة وستمائة عقد الصلح مع الأنبرور طاغية جزيرة صقلية وغيرها على أن يدخل تحت طاعته ويأخذ جميع أمواله وذخائره ويجهزه في قطائع إلى ساحل إفريقية ولا يقتله، وأبت ابنته أن تدخل في هذا الصلح وامتنعت في هذه القلعة وقالت لأبيها: أنا فداك فإن لقيت خيراً اتبعتك وإن كان غير ذلك فلا بد أن أنكي أعداءك وآخذ بثأرك على قدر الاستطاعة. ولما جذفت به القطائع وغابوا عن العيون قال له الموكلون به: إن السلطان قد وفى لك ولم يحنث في يمينه وها نحن قد توجهنا إلى إفريقية وهو لم يقتلك ونحن نغرقك ونريح دين المسيح منك، فالذي صنعت في هذه الجزيرة مثله لا ينسى، ثم غرقوه وعادوا بجميع أمواله إلى الأنبرور وحمدت ابنته رأيها وزادت بصيرة في الامتناع بذلك المعقل المعانق للسحاب، وجعلت تغادي شن الغارات وتراوحها بمن خاف غدر الأنبرور من فرسان المسلمين ورجالهم، ثم أرسلت في سنة تسع عشرة إلى الأنبرور: إني امرأة وقد بليت بمحاربة الرجال ومداراتهم وقد ضقت ذرعاً بالأولياء منهم والأعداء وضعفت نفسي ومعي من صناديد الأبطال من لا ينقاد بمرادي فأرحني وأرح نفسك وأهل مملكتك من هذا النصب الدائم بأن توجه لي ثلثمائة من أبطالك الذين لا يهابون ولا ينخدعون لأدخلهم ليلاً إلى هذا الحصن ويحتوون عليه فإذا ملكوه ودخلت أنا بعد ذلك في طاعتك لم يكن بعد ذلك شيء يتوقع منه عائد، فأفكر فيما خاطبتك به والله يخير ويختار قال: وكان الأنبرور قد طالت إقامته وإقامة جموعه على حصارها فرأى ذلك غنيمة لا يجب أن يؤخر انتهاز الفرصة فيها، فاختار ذلك العدد وأرضاهم وأنفذهم في الليل ففتحت لهم باب قلعتها وفرقتهم على أبطاله بحيل تمت عليهم، فلما ولى الظلام وتبينت الوجوه ركب الأنبرور إلى جهة الحصن يطلع إلى أعلامه كيف هي على سوره فإذا برؤوس أبطاله معلقة ما بين شرفاته، وأعلام المسلمين منشورة وطبولهم عاملة وكلمتهم عالية، فسقط في يده، ونظر الفرنج إلى ما لم يكن في حسابهم ولا خطر لهم أنه يتم في المنام بالأحلام، قال: فأراد الأنبرور أن يبلغ [4] في هذه القضية غرضه بحيلة تتوجه عليها، فأرسل إليها: أنت قد عشت ولا أبالي من مات من أهل ملتي وقد ظهر لي أن ما في الدنيا امرأة تصلح أن يكون لي منها ولد غيرك فتعالي حتى نتم ذلك، فأنت إن بقيت على ما أنت عليه وحصلت في أيدي الفرنج قطعوك عضواً عضواً، فاختاري لنفسك ما ترينه مصلحة. فأجابت: وصلني كتابك وفهمت حقه وباطله. وأبلغني بعض عيوني الذين لم أزل أبثهم عليك أنك قلت: إن هذا عجب امرأة تمكر بثلثمائة رجل، وليس هذا بعجب وقد أنزل في الكتاب المنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في ذكر النساء " إن كيدهن عظيم " فهذا من ذلك، وإنما العجب مني ومنك
(1) نزهة المشتاق، الورقة: 45، والاستبصار: 85. [2] ابن هشام 1: 7. [3] أنظر قصة محمد بن عباد في التاريخ المنصوري: 144 ب وما بعدها، وهذا النص الذي أورده المؤلف يحتوي على معلومات لم أعثر عليها عند غيره، وقد أستخرج بروفنسال هذا النص ونشره مترجماً بمجلة (Orienete Moderno) 1954 (ص 383 - 388) وأنطالة هي (Entella) . [4] ع: يتبع.