وثبت به شريعته، ثم قالت لي: وكيف رأيت صاحبنا، تعني ابن أخيها محمد بن أحمد، قال فقلت: رأيت غلاماً حدثاً معجباً قد استحوذ عليه السفهاء فاستمد بآرائهم ونصت لأقوالهم يزخرفون له الكلام ويوردونه الندم، فقالت لي: فهل لك أن ترجع إليه بكتاب فلعلنا أن نحل ما عقد السفهاء، قال قلت: أجل، فكتبت إليه كتاباً حسناً لطيفاً أجزلت فيه الموعظة وأخلصت فيه النصيحة، وكتبت في آخره هذه الأبيات:
اقبل نصيحة أم قلبها وجع ... عليك خوفاً وإشفاقاً وقل سددا
واستعمل الفكر في قولي فإنك إن ... فكرت ألفيت في قولي لك الرشدا
ولا تثق برجال في قلوبهم ... ضغائن تبعث الشنآن والحسدا
مثل النعاج خمول في بيوتهم ... حتى إذا أمنوا ألفيتهم أسدا
وداو داءك والأدواء ممكنة ... وإذ طبيبك قد ألقى إليك يدا
وأعط الخليفة ما يرضيه منك ولا ... تمنعه مالاً ولا أهلاً ولا ولدا
واردف أخاً يشكر ردءاً يكون له ... ردءاً من السوء لا تشمت به أحدا قال: فأخذت الكتاب وصرت به إلى محمد بن أحمد، فلما نظر فيه رمى به إلي ثم قال: يا أخا يشكر ما بآراء النساء تساس الدول، ولا بعقولهن يساس الملك، ارجع إلى صاحبك، فرجعت إلى أمير المؤمنين فأخبرته الخبر على حقه وصدقه، فقال: وأين كتاب أم الشريف؟ فأظهرته، فلما عرض عليه أعجبه شعرها وعقلها ثم قال: والله إني لأرجو أن أشفعها في كثير من القوم. فلما كان من فتح آمد ما كان ونزول محمد بن أحمد على الأمان لما عمهم القتال وجه إلي أمير المؤمنين فقال: يا شعلة بن شهاب هل عندك علم من أم شريف؟ قال، قلت: لا والله يا أمير المؤمنين، قال: فامض مع هذا الخادم فإنك تجدها في جملة نسائها، قال: فمضيت، فلما بصرت بي أسفرت عن وجهها وأنشأت تقول:
ريب الزمان وصرفه ... وعدته كشف القناعا
وأذل بعد العز من؟ ... االصعب والبطل الشجاعا
ولقد نصحت فما أطع؟ ... ت وكم حرصت بأن أطاعا
فأبى بنا المقدار إ ... لا أن نقسم أو نباعا
يا ليت شعري هل نرى ... يوماً لفرقتنا اجتماعا ثم بكت وضربت بيدها على الأخرى وقالت: يا ابن شهاب كأني والله كنت أرى ما أرى فإنا لله وإنا إليه راجعون، قال فقلت: إن أمير المؤمنين قد وجهني إليك وما ذاك إلا لحسن رأيه فيك، قال فقالت لي: فهل لك أن توصل إليه كتابي هذا بما فيه؟ قلت: نعم، فكتبت إليه بهذه الأبيات:
قل للخليفة والإمام المرتضى ... وابن الخلائف من قريش الأبطح
بك أصلح الله البلاد وأهلها ... بعد الفساد وطال ما لم تصلح
وتزحزحت بك قبة العز التي ... لولاك بعد الله لم تتزحزح
وأراك ربك ما تحب فلا ترى ... ما لا تحب فجد بعفوك واصفح
يا بهجة الدنيا وبدر ملوكها ... هب ظالمين ومفسدين لمصلح قال: فأخذت الكتاب وصرت به إلى أمير المؤمنين، فلما عرضت عليه الأبيات أعجبته، فأمر أن تحمل إليها تخوت من ثياب وجملة من المال وإلى ابن أخيها محمد بن أحمد بن عيسى مثل ذلك، وشفعها في كثير من أهلها ممن عظم جرمه واستحق العقوبة.
ومن العلماء المنسوبين إلى آمد المتأخرين السيف الآمدي
حاله
من عائد الصلة [1] : كان رحمه الله رجل صدق [2] ، طيب اللهجة سليم الصدر تام الرجولة، صالحاً عابداً، كثير القرب والأوراد في آخر حاله، صادق اللسان. قرأ كبيراً وسنه تنيف على سبع وعشرين، فشأى [3] أهل الدءوب [4] والسابقة، وكان من صدور الحفاظ [5] ، لم يستظهر أحد من زمانه من اللغة [6] ما استظهره، فكان [7] يستظهر كتاب التاج للجوهري وغيره، آية تتلى ومثالاً يضرب [8] ، قائماً على كتاب سيبويه يسرده بلفظه، اختبره الفاسيون في ذلك غير ما مرة، طبقة في الشطرنج يلعبها محجوباً [9] ، مشاركاً في الأصول، آخذاً في العلوم العقلية مع الملازمة [10] للسنة، يعرب أبداً كلامه ويزنه [11] .
مشيخته
أخذ [12] ببلده عن الأستاذ أبي إسحاق الغافقي، ولازم [الأستاذ] أبا القاسم ابن الشاط وانتفع به وبغيره من العلماء.
دخوله غرناطة
قدم [13] غرناطة مع الوفد [الذين قدموا] من أهل بلده [14] [سبتة] عندما صار إلى إيالة [15] الملوك من بني نصر لما وصلوا بالبيعة.
وفاته
كان من الوفد الذين استأصلهم الموتان [16] ، منصرفهم عن باب السلطان ملك المغرب [17] ، باحواز تيزى [18] ، حسبما وقع التنبيه على بعضهم [19] .)) 2 - تعليق على هذه الترجمة
1 - تقول هذه الترجمة إن ابن عبد المنعم سبتي. غير أن المقري صاحب نفح الطيب يقول وهو ينقل عنه: " ولنرجع إلى كلام صاحب الروض المعطار فإنه أقعد بتاريخ الأندلس إذ هو منهم، وصاحب البيت أدرى بالذي فيه " [20] . فهل هو سبتي أو أندلسي؟ إن اهتمامه بجغرافية [1] ك: من العائد. [2] ك: رجلاً صدوقاً. [3] ك: ففات. [4] بروفنسال: الدرب. [5] ك: كان ثم الدحول صالحاً حافظاً عابداً. [6] من اللغة: سقطت من ك. [7] ك: يكاد. [8] ك: آية متلوة ومثل يضرب. [9] ك: مجموماً. [10] ك: ملازمة. [11] ويزنه: سقطت من ك. [12] ك: قرأ. [13] ك: دخل. [14] ك: من بلاده. [15] ك: حين صارت لايالة. [16] ك: الموت. [17] ك: عن باب الملك المغربي. [18] ك: تازه. [19] ك: حسبما يقع التنبيه عليه. [20] النفح 4: 362 (تحقيق إحسان عباس، ط بيروت 1968) .