حرف الهمزة آمد
مدينة من كور الجزيرة من أعمال الموصل والجزيرة ما بين دجلة والموصل، وآمد بمقربة من ميافارقين فتحها عياض بن غنم بعد قتال على مثل صلح الرها، فإنه لما أتى الرها خرج إليه أهلها فقاتلوه فهزمهم المسلمون حتى ألجأوهم إلى المدينة فطلبوا الأمان والصلح، فأجابهم عياض إليه وكتب لهم [1] : " بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب من عياض بن غنم لأسقف الرها إنكم إن فتحتم لي باب المدينة على أن تؤدوا لي عن كل رجل منكم ديناراً أو مد قمح فأنتم آمنون على أنفسكم وأموالكم ومن تبعكم، عليكم ارشاد الضال وإصلاح الجسور والطرق ونصيحة المسلمين شهد الله وكفى بالله شهيداً ". فعلى مثل هذا الصلح صالح أهل آمد وأهل ميافارقين وكفر توثا بعد قتال أيضاً على مثل صلح الرها.
ومدينة آمد كبيرة حصينة على جبل في غربي دجلة وهي كثيرة الشجر والجبل عليها مطل نحو مائة قامة وعليها سور بحجارة الأرحى السود، ولها داخل سورها مياه جارية ومطاحن على عيون تطرد وأشجار وبساتين، وبينها وبين ميافارقين مرحلتان، ولها أربعة أبواب: باب التل وباب الماء وباب الجبل وباب الروم، وفي شمالها سوران، وفي قبليها برج كبير يسمى برج الزينة، وعلى باب الروم برجان، وقصبة السلطان في شرقها. والمدينة مستعلية على شرف، وهي أكبر من ميافارقين، وداخل آمد عين ثرة. وتأتيها دجلة من شمالها وتخرج من شرقيها، وبساتينها غرباً وقبلة عنها إلى دجلة، وفي صحن جامعها أوتاد حديد قائمة معترضة من بلاط إلى بلاط ارتفاع الظاهر منها فوق الأرض ذراعان قد عقد بها كلها سلسلتان من حديد يذكر أهلها أن السرج كانت تقد عليها في سالف الأزمان.
ومن العجائب [2] جبل بآمد فيه صدع فمن انتضى سيفه وأولجه فيه وهو قابض عليه اضطرب السيف في يده وارتعد هو ولو كان أشد الناس وأعجوبة أخرى أنه من حد بذلك الجبل سكيناً أو سيفاً وحمله على الابر والمسال جذبها أكبر من جذب المغنيطس، والحجر نفسه لا يجذب الحديد ولو بقي يحد عليه مائة عام لكانت تلك القوة فيه قائمة، وهو أقوى من حجر المغنيطس لأن الثوم يذهب قوة المغنيطس، وهذا مثل الذي بحوز مورور من الأندلس من أعمال قرطبة، وأخبر من حد به سيفاً في الحجر مكانه من الجبل وقد تقادم عهده فوجده يجذب من تحت غمده وتعلق الابر بالغمد، وذكر صاحب هذا السيف أنه قد صقله مراراً فما زالت تلك القوة فيه.
ومن آمد إلى ميافارقين خمسة فراسخ. وفي سنة [3] ست وثمانين ومائتين نزل المعتضد أمير المؤمنين خليفة بغداد على آمد بعد وفاة أحمد بن عيسى بن الشيخ وقد تحصن بها ولده محمد بن أحمد بن عيسى، فبث جيوشه حولها وحاصرها، فحدث شعلة بن شهاب اليشكري قال: وجهني المعتضد إلى محمد بن أحمد بن عيسى بن الشيخ لأخذ الحجة عليه، قال: فلما صرت إليه واتصل الخبر بأم الشريف أرسلت إلي فقالت: يا ابن شهاب، كيف خلفت أمير المؤمنين؟ فقلت: خلفته والله ملكاً جزلاً وحكماً عدلاً أماراً بالمعروف فعالاً للخير متعززاً على الباطل متذللاً للحق لا تأخذه في الله لومة لائم، قال: فقالت لي: هو والله أهل ذاك ومستحقه ومستوجبه، وكيف لا يكون كذلك وهو ظل الله الممدود على بلاده، والخليفة المؤتمن على عباده، أعز به دينه وأحيا به سنته [1] فتوح البلدان: 106. [2] ابن الفقيه: 67، 134. [3] المروج 8: 134، والمنتظم 6: 16.
العدل.. ") . وحسناً فعل الأستاذ رتزيتانو لو أنه استشهد هنا بما جاء في هذه العبارة من قوله " رحمة الله عليه "، فإنها تشير إلى عمل الناسخ لا إلى عمل المؤلف.
أين نقف بعد ذلك من هذا كله؟ [1] - لدينا كتاب اسمه " الروض المعطار في خبر الأقطار " وتتفق النسخ المتباعدة - مكاناً وزماناً - على أن مؤلفه هو " أبو عبد الله محمد بن محمد بن أبي عبد الله محمد بن أبي محمد عبد الله بن عبد المنعم بن عبد النور الحميري "، وعلى هذا الكتاب يعتمد القلقشندي، فلابد أن يكون مؤلف هذا الكتاب ممن عاش قبل مطلع القرن التاسع (في أقل تقدير) . [2] - إن ذكر حاجي خليفة له مرتين يعني اطلع على نسختين: إحداهما ذكرت اسمه كاملاً والأخرى اسمه مؤخراً، ولما كان حاجي خليفة - وهو منسق ببليوغرافي - غير مسؤول عن تحقيق الفرق بين الاسمين، فإثباته ما أثبته أمانة دقيقة منه في عمله. [3] - ذكر حاجي خليفة سنة 900 تاريخاً لوفاة المؤلف، وقد حاول غودفري - ديمومبين أن يقول إن هذا خطأ شائع في المخطوطات العربية بين " تسعمائة " و " سبعمائة " ووافقه على ذلك الأستاذ رتزيتانو [1] ؛ ولكن الحقيقة أن عام " سبعمائة " لا يصلح لتقرير سنة وفاة المؤلف، " إذن " فإن الراجح أن حاجي خليفة اطلع على نسخة من الروض كتبت سنة 900، ثم اضطرب عليه الأمر فظنها سنة وفاة المؤلف، وهذا غير عجيب عند حاجي خليفة، فقد قال عند ذكر الإمتاع والمؤانسة إن التوحيدي توفي سنة 380 وقال حين ذكر المقابسات " المتوفى بعد سنة أربعمائة تقريباً "، فأيهما نصدق؟ إذن فإن الأخذ الحرفي بما يقوله حاجي خليفة أمر مضلل، دون ريب.
مؤلف الروض المعطار
من هو مؤلف الروض المعطار إذن؟ كل الدلائل ترجح أنه هو الذي وجد بروفنسال نفسه ترجمته في " الإحاطة " - ووجدها رتزيناتو في الدرة الكامنة لابن حجر، وهو ينقل عن الإحاطة - وهذا ما يقوله لسان الدين ابن الخطيب عنه [2] : [1] - ترجمة المؤلف
" محمد بن عبد المنعم الصنهاجي الحميري، يكنى أبا عبد الله ويعرف بابن عبد المنعم، من أهل سبتة الأستاذ الحافظ. [1] انظر مقدمة " صفة جزيرة الأندلس " - الترجمة الفرنسية ص: 15 ومقدمة رتزيتانو: 133. [2] مقدمة بروفنسال: 27 - 28 والإحاطة النسخة الكتانية بالرباط رقم: 2704 ورمزها (ك) ، الصفحة: 54 وانظر الدرر الكامنة 4: 151 رقم 3950 (ط. القاهرة) وبغية الوعاة: 69 وكلاهما ينقل عن ابن الخطيب.