حبسه، فلما كان من الغد ضربه ثم قطع يديه، وفي اليوم الثالث قطع رجليه، وضرب رقبته في اليوم الرابع وصلبه، ثم أخرج الجندي من الحبس فضربه مائة عصا وأسقط اسمه وقال له: أنت ليس فيك خير حيث رأيت أعرابياً واحداً فخضعت له حتى فعل بك ما فعل، كيف يكون لي فيك خير إذا احتجت إليك؟ ثم طرده. ورؤي ماحوز هذا بعد موته في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال غفر لي، قيل له: بماذا؟ قال: بضبطي أطراف المسلمين وطريق الحاج. أذنة
مدينة بالشام بينها وبين المصيصة اثنا عشر ميلاً بناها هارون الرشيد وأتمها الأمين وبها كانت منازل ولاة الثغور لسعتها، وهي على نهر جيحان [1] وليس للمسلمين عليه إلا أذنة هذه بين طرسوس والمصيصة، وأهل أذنة أخلاط من موالي الخلفاء وغيرهم، ومن أذنة إلى طرسوس اثنا عشر ميلاً، وهي مدينة جليلة عامرة ذات أسواق وصناعات وصادر ووارد، وهي ثغر سيحان، ونهر سيحان في قدره، دون قدر نهر جيحان وعليه قنطرة عجيبة طويلة جداً.
وبالزاب من أرض إفريقية مدينة اسمها أذنة[2] أيضاً على مقربة من المسيلة بينهما اثنا عشر ميلاً وبينها وبين مدينة طبنة مرحلتان، وأذنة هذه أخربها علي بن حمدون المعروف بابن الأندلسي سنة أربع وعشرين وثلاثمائة، وهي كثيرة الأنهار والعيون العذبة، وهي مدينة رومية قديمة، وكان حولها ثلاثمائة وستون قرية للروم كلها عامرة، وهي كانت مملكة الروم بالزاب وكان عقبة بن نافع، رحمه الله، حين قدم إفريقية غازياً بعد انفصاله عن تلمسان ومحاربته لأهلها دخل يريد الزاب، فسأل عن أعظم مدينة به فقيل له: مدينة يقال لها أذنة، وهي دار ملكهم، فتوجه إليها، فلما بلغهم قدوم المسلمين هربوا إلى حصنهم وإلى الجبال، فلما قدمها نزل على واد بينها وبينه نحو ثلاثة أميال في وقت المساء فكره قتالهم بالليل، فتواقف القوم الليل كله لا راحة لهم ولا نوم، فسماه الناس إلى اليوم وادي سهر لأنهم سهروا عليه، فلما أصبح قاتلهم قتالاً عظيماً حتى يئس المسلمون من أنفسهم، ثم هزم الله الروم وقتل فرسانهم وأهل النكاية منهم واستولت الهزيمة على بقيتهم، وفي هذه الغزوة ذهب عز الروم بالزاب.
وكان المنصور بالله العبيدي في حروبه مع أبي يزيد النكاري ركب متنزهاً إلى أذنة في أربعة آلاف فارس وركب معه زيري بن مناد في خمسمائة من صنهاجة، وكان النكار بالقرب منها فلما رأوا كثرة العسكر سكنوا، فلما ولى منصرفاً ركبوا ساقته وقامت الصيحة، فعطف عليهم والتحم القتال، ونزل أبو يزيد من الجبل وبين يديه ثلاثة بنود ومعه خلق عظيم ولم يعلم بمكان المنصور بالله، وكان موضعاً كثير التلال والروابي، فأرسل المنصور إليه عسكره وأخرجت الطبول والبنود وقصدوا إلى أبي يزيد، فلما رأى المظلة ولى فركبتهم السيوف فقتل منهم مقتلة عظيمة، وكانت القتلى منهم تزيد على عشرة آلاف.
أذربيجان
هي كورة تلي الجبل من بلاد العراق وهي مفتوحة الألف وتلي كور أرمينية من جهة المغرب، ينسب إليها أذربي، وفي خبر الصديق رضي الله عنه أنه قال حين حضرته الوفاة وعزم على استخلاف عمر رضي الله عنه لمن كره ذلك: فكلكم ورم أنفه أن يكون له الأمر من دونه، والله لتتخذن نضائد الديباج وستور الحرير ولتألمن النوم على الصوف الأذربي كما يألم أحدكم النوم على حسك السعدان، يشير إلى ما كان من الاتساع في الدنيا. والصوف الأذربي منسوب إلى أذربيجان ينسب إلى أذربيجان أبو عبد الله الحسن بن جابر الأزدي صاحب كتاب " اللامع " في أصول الفقه، وأهل أذربيجان مشهورون بالإكباب على العلم والاشتغال به، وفيهم يقول الحافظ أبو الطاهر السلفي:
ديار أذربيجان في الشرق عندنا ... كأندلس في الغرب في النحو والأدب
فلست ترى في الدهر شخصاً مقصراً ... من أهلها إلا وقد جد في الطلب وكان عمر رضي الله عنه قد فرق أذربيجان بين بكير بن عبد الله وبين عتبة بن فرقد وأمر كل واحد منهما بطريق غير طريق صاحبه، ثم جمع عمر رضي الله عنه أذربيجان كلها لعتبة بن فرقد وعادت أذربيجان سلماً، وكتب عتبة بينه وبين [1] في النسختين: جيحون. [2] البكري (144) : أذنة - بالدال المهملة.