نام کتاب : البلدان نویسنده : ابن الفَقيه جلد : 1 صفحه : 140
وأربعين يوما فلاح لنا بريق شرف تلك المدينة من مسيرة خمسة أيّام، فهالنا منظرها وامتلأت قلوبنا منها رعبا من عظمها وبعد إقطارها، فلمّا قربنا منها إذا أمرها عجيب هائل، ومنظرها مخيف موجل كأنّ المخلوقين لم يصنعوها، فنزلنا عند ركنها الشرقيّ فصلّينا عشاء الآخرة، ثم بتنا بأرعب ليلة بات بها أحد من المسلمين، فلمّا أصبحنا كبّرنا استئناسا بالصبح وسرورا به، ثم أرسلت رجلا من أصحابي في مائة فارس، وأمرته أن يدور مع سور المدينة ليعرف لنا موضع بابها، فغاب عنّا يومين، ثم أتانا صبيحة يوم الثالث فأخبر أنها مدينة لا باب لها، ولا مسلك إليها، فجمعت أمتعة أصحابي إلى جانب سورها وجعلت بعضها إلى بعض لأنظر من يصعد إليها فيأتيني بخبر ما فيها فلم تبلغ أمتعتنا ربع الحائط لارتفاعه في الهواء فأمرت فاتّخذ سلاليم كثيرة، ووصلت بعضها إلى بعض بالجبال ونضبتها على الحائط، وناديت في المعسكر من يتعرّف لي خبر هذه المدينة، ويصعد هذه السلاليم فله عشرة آلاف درهم، فانتدب رجل من أصحابي فتسنّم السلّم وهو يتعوّذ ويقرأ، فلمّا صار في أعلاها وأشرف على المدينة قهقه ضاحكا، ثم هبط إليها فناديناه: أخبرنا بما رأيت فيها، فلم يجبنا، فجعلنا أيضا لمن يصعد إليها ويأتينا بخبرها وخبر الرجل ألف دينار، فانتدب رجل من حمير وأخذ الدنانير وجعلها في رحله، ثم صعد فلمّا استوى على السور قهقه ضاحكا، ثم نزل إليها فناديناه:
أخبرنا بما وراءك وما الذي ترى فلم يجبنا أحد، حتى صعد ثلاثة رجال كلّهم يقهقه ضاحكا ويتطيّر، فامتنع أصحابي بعد ذلك من الصعود وأشفقوا على أنفسهم، فلمّا يئست من أولئك الرجال ومن معرفة المدينة، رحلت نحو البحيرة، فسرت مع سور المدينة فانتهينا إلى مكان من السور فيه كتابة بالعربية «1» ، فوقفت حتى أمرت باستنساخه وهي:
ليعلم المرء ذو العزّ المنيع ومن ... يرجو الخلود ولا حيّ بمخلود
لو أنّ خلقا ينال الخلد في مهل ... لنال ذاك سليمان بن داود
نام کتاب : البلدان نویسنده : ابن الفَقيه جلد : 1 صفحه : 140