وعلي بن الحسين الأصغر، لأم ولد؛ وكان علي بن الحسين مع أبيه يومئذ، وهو ابن ثلاث وعشرين سنة، وكان مريضاً؛ فلما قتل الحسين، قال عمر بن سعد: " لا تعرضوا لهذا المريض " قال علي بن الحسين: فغيبني رجل منهم، وأكرم نزلي، وحضنني، ووجعل يبكي كلما دخل وخرج، حتى كنت أقول: " إن يكن عند أحد خير، فعند هذا! " إلى أن نادى منادي ابن زياد: " ألا من وجد علي بن الحسين، فلياتي به! فقد جعلنا فيه ثلاثمائة درهم! " قال: فدخل علي، والله! وهو يبكي، وجعل يربط يدي إلى عنقي، وهو يقول: " أخاف! " فأخرجني إليهم مربوطاً، حتى دفعني إليهم، وأخذ ثلاثمائة درهم، وأنا أنظر؛ فأدخلت علي ابن زياد؛ فقال: " ما اسمك؟ " فقلت: " علي بن حسين " فقال: " أولم يقتل الله علياً؟ " قال: قلت: " كان لي أخ يقال له علي أكبر مني، قتله الناس. " قال: " بل! الله قتله " قلت: " الله يتوفى الأنفس حين موتها، والتي لم تمت في منامها " فأمر بقتله. فصاحت زينب بنت علي: " يابن زياد! حسبك من دمائنا! أسألك بالله إن قتلته إلا قتلتني معه! " فتركه. فلما صاروا إلى يزيد بن معاوية، قام رجل من أهل الشام؛ فقال: " إن نساءهم لنا حلال! " فقال علي بن حسين: " كذبت! ما ذلك لك إلا أن تخرج من ملتنا! " فأطرق يزيد ملياً، ثم قال لعلي بن حسين: " إن أحببت أن تقيم عندنا، فنصل رحمك، فعلت! وإن أحببت، وصلتك، ورددتك إلى بلدك! " قال: " بل تردني إلى المدينة " فرده ووصله. وكان علي يكنى أبا الحسن. ذكر حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد، قال: سمعت علي بن حسين، وكان أفضل هاشمي أدركته، وكان يقول: " يا أيها الناس! أحبونا حب الإسلام، فما برح بنا حبكم حتى صار علينا عاراً! " ومات علي بن حسين، وهو ابن ثمان وخمسين سنة، ودفن بالبقيع، سنة 94؛ وكان يقال لهذه السنة: " سنة الفقهاء "،