وكان يلبس الصوف ويظهر الزهد، وكان منقطعا إلى البرامكة فوصفوه للرشيد ووصلوه به، فبلغ عنده كل مبلغ وعظمت فوائده منه، ومنصور النميري كان راويته وتلميذه، ثم فسدت الحال بينهما وتباعدت. وحكى أن طوف ابن مالك كان قريبا للعتابى فكتب إليه [1] يستزيره ويدعوه إلى أن يصل القرابة بينه وبينه فرد عليه [2] : إن قريبك/ من قرب منك خيره، وإن عمك من عمك نفعه، وإن عشيرتك من أحسن عشرتك، وإن أحب الناس إليك أجداهم بالمنفعة عليك، ولذلك أقول:
ولقد بلوت الناس ثم سبرتهم ... وخبرت ما وصلوا من الأسباب
فإذا القرابة لا تقرب قاطعا ... وإذا المودة أقرب الأنساب [3]
وقيل للعتابى: إنك تلقى العامة ببشر وتقريب! فقال: رفع ضغينة بأيسر مؤنة، واكتساب إخوان بأهون مبذول. وكتب المأمون في إشخاص العتابى، فلما قدم عليه قال: يا كلثوم! بلغتني وفاتك فساءتني، ثم بلغتني وفادتك فسرتني! فقال له العتابى: يا أمير المؤمنين! لو قسمت هاتان الكلمتان على أهل الأرض لوسعتاهم فضلا وإنعاما، ولقد خصصتني منهما بما لا تتسع له أمنية ولا ينبسط لسواه أمل، لأنه لا دين إلا بك، ولا دنيا إلا معك، قال: سلني! قال: يدك بالعطاء أطلق من لساني بالسؤال! فوصله صلات سنية وبلغ به من التقديم والإكرام أعلى محل. [1] أي فكتب طوف إلى العتابى. [2] م: «فكتب إليه» .
[3] ويروى: «أكبر الأنساب» .