وحدثني الحسن بن محمد بن فهم عن سعيد بن يحيى عن أبيه عن محمد بن إسحق بإسناده وعن الحسن بن حمّاد سجادة عن يجيى بن سعيد الأموي بحديث مقتل عمرو بن عبدودّ يوم الخندق، قال: كان عمرو ممن حضر يوم بدر حارب فارتشتْهُ، الجراحات وهو مثبت، وأفلت ولم يحضر يوم أُحُد وحضر يوم الخنلق فأقبل بتنزَّى الى القتال وينادي بالبراز، ويقف وراء الخنلق فيُنشد:
ولقد بححِتُ من الندا ... ءِ لجمعهم هل من مُبارِزْ
ووقفتُ إذ وقفَ المُشجَّعُ موقفَ القرن المُناجَزْ
فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب عليه السلام بالخروج إليه، فخرج إليه راجلاً، فقال له: انتسب، فتسمّى، فقال له: ابن أخي لقد كنت أراك صبيّاً عند أمّك فأومِّل أن تكون للاّتِ والعُزَّى نصيراً. فقال له: إن الله تعالى أنزل على ابن عمي كتاباً وشرع له ديناً ولا يرضى غيره وكلّ ما كان عليه آباؤنا باطل وضلال.
قال: ما أحبُّ أن أجزي أبا طالب عن مودته بقتلك.
قال: يعينُ الله عليك، فنزل إليه عمرو واجتلدا، قال: فلما سُمع التكبير من تحت العجاجة عُلِم أن علياً قتله، وكان ذلك أول الفتح على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 121 - عمرو بن قميئة الليثي، عدو الله وعدوّ رسوله - صلى الله عليه وسلم -، والذي تولى الأثم العظيم من كسر رباعية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشجّه في وجهه يوم أحُد، وكان فارس قريش، وتعاهد هو وأُبيّ بن خلف الجُمحي وابن شهاب جدُّ الفقيه الزُهري وعتبة ابن أبي وقاص، على قتله - صلى الله عليه وسلم -. فردّ الله ابن شهاب بغيظه، وقصده أبيّ بن خلف، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحربة من الحارث بن الصِمَّة الأنصاري فطعنه بها طعنة خفية لم تصل الى حلقه. فلم يَسرْ إلاّ ليلتين حتى احتقن به الدم فقتله الله، ثم أفضى عدو الله عمرو بن قميئة إليه وقد خفَّ عنه أصحابه، فجرحه وانصرف إلى قريش فبشرهم بقتله، وامتحن الله المسلمين بالجِراح والانحياز واستشهد منهم من خُتِم له بالرحمة، فلما تحاجزوا وصعد المسلمون الجبل، قال أبو سفيان بأعلى صوته: اُعْلُ هُبِلْ. فقال له عمر بن الخطاب بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -: الله أعلى وأجل، لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار.
فقال أبو سفيان: من المتكلم قال: عمر بن الخطاب. قال: نشدتُكَ الله هل قُتلَ صاحبكم؟ قال: لا والله، إنه ليسمع كلامك الآن.
قال: قبحُ الله ابن قميئة، أنت والله أصدق عندي منه وأبرُّ.
ولابن قميئة شعر.
122 - عمرو بن أبي أُحيحة سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس.
أسلم في أول الاسلام واستشهد يوم أجنادين بالشام، وكان أسلم قبله أخوه خالد بن سعيد، يقال: إنه خامس المسلمين، ثم أسلم عمرو بن سعيد وكتما اسلامهما عن أبيهما أبي أحيحة فمات بالظريبة من أرض الطائف، فأظهروا إسلامهما، فقال أخوهما أبان بن سعيد، وقد أسلم بعد ذلك:
ألا ليت ميتاً بالظريية شاهدٌ ... بما يفتري في الدين عمرو وخالدُ
أطاعا بنا أمرَ الوُشاةِ فأصبحا ... نُكابد من أعداننا مَنْ نُكابِدُ
فأجابه عمرو بن سعيد:
أخي ما أَخي لا شاتمُ أنا عِرضَه ... ولا هو عن سوءِ المقالةِ مُقْصِرُ
يقول إذا اشتدَّتْ عليه أمورُه ... أَلاَ ليت مَيْتاً بالظريبةِ يُنْشَرُ
فَدعْ عنك مَيْتاً قد مضى لسبيله ... وأَقبلْ على الحيّ الذّي هو أفقرُ
أنشدني ذلك أحمد بن أبي خيثمة عن أحمد بن محمد بن أيوب عن إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحق، قال: ولما غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الطائف مرَّ بقبر أبي أحيحة، فقال أبو بكر الصدّيق رضوان الله عليه: لعن الله صاحب هذا القبر فإنّه كان شديد العداوة لله ولرسوله. فقال خالد بن سعيد: لعن الله أبا قُحافة فإنه كان لا يُقري الضيف ولايُعين على النوائب. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يؤذى مسلم بسبِّ كافرٍ.
123 - عمرو بن العاص بن وائل السهمي القرشي.
يكنّى أبا عبد الله، صاحب رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، هاجر إليه إلى المدينة في الهدنة التي كانت بينه - صلى الله عليه وسلم - وبين قريش، واستعمله، وعمل لأبي بكر وعمر وعثمان رضوان الله عليهم - صدراً من خلافته، وكان يُهاجي وهو بمكة حسّان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة فيمن كان يهاجيهم من شعراء قريش، وسمع حسّان شعره فقال: هو عاقلُّ وليس بالشاعر، وعُمّر عمراً طويلاً.