ومنهم الشيخ محمد بن أحمد بن محمد بن حسين بن سليمان المعروف بالأسطواني، الدمشقي الحنفي الفقيه، الواعظ والأخباري، كان آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، ناسكا عابدا، واعظا متقشفا، كثير العبوس في وجوه الناس لما يكرهه منهم، شديد الإنكار عليهم فيما يخالف الشرع.
هذا وقد حضرته في شرح الجوهرة في درسه العام وفي وعظه ونصائحه، كان في الأصل على مذهب أسلافه حنبليا، ثم انتقل إلى مذهب الشافعي فأخذ عن الشمس الميداني والنجم الغزي وغيرهما، والعربية والمعقولات عن الشيخ عبد الرحمن العمادي والشيخ عبد اللطيف الجالقي والشيخ عمر القاري، والإمام يوسف بن أبي الفتح، والحديث عن أبي العباس المقرئ في مقدمته لدمشق، ودرس بالجامع الأموي، ثم رحل إلى مصر وأخذ عن البرهان اللقاني والنور علي الحلبي والشيخ عبد الرحمن اليمني، والشمس البابلي، وقدم إلى دمشق سنة تسع ثلاثين وألف، ودرس بها وأفاد، ثم وقع بينه بين النجم الغزي في مسألة، فسافر إلى الروم بحرا فأسرته الفرنج، ثم خلص بعد مدة قليلة، ووصل إلى دار الخلافة فأقام بها وحسن حاله وحصل له جهات وعلوفات، وتزوج وصار ذا أولاد وتحنف وصار إماما بجامع السلطان أحمد، ثم قدم حاجا سنة ثلاث وستين وألف، وعاد إلى الروم فصار واعظا بجامع السلطان محمد خان ثم عاد إلى دمشق فوردها سنة سبع وستين وألف، ولزم التدريس تحت قبة النسر بالجامع الأموي بين العشائين وبعد الظهر، ورفع بعض منكرات كانت في الشام فتقيد بإزالتها أو تخفيفها حسب الاستطاعة، ومنها لبس السواد خلف الميت، ورفع الأصوات بالصياح والنياحة، وأمر بحمل العصي تحت الأصواف لضربهن على ذلك.
وكانت ولادته ليلة سبع عشرة المحرم سنة ست عشرة وألف. وتوفي سادس عشري المحرم سنة اثنتين وسبعين وألف بالحمى المحرقة، ودفن بمقبرة باب الفراديس.
هذا وقد حضرته في دروسه في السليمية في البيضاوي ووصايا الشيخ محيي الدين قدس الله سره في الجامع الأموي، قريبا من المنارة الشرقية في جوهرة التوحيد للقاني، وحضرته في الدروس الفرادية كالقراءات وغيرها. واستجزته فأجازني بسائر مروياته ولله الحمد. الشيخ محمد بن تاج الدين بن أحمد المحاسني
ومنهم محمد بن تاج الدين بن أحمد المحاسني الدمشقي الحنفي الخطيب بجامع دمشق، كان فاضلا عالما ورعا زاهدا متقنا متضلعا من المعقولات وعلوم العربية كالمعاني والبيان وباقيها كالنحو والصرف وغيرها، وكذلك كان متبحرا في العلوم الشرعية كالتفسير والحديث والفقه مع اللين والتواضع وحلاوة المنطق والملاطفة للطلبة والإحسان إليهم، وأخذه خواطرهم ومعاملتهم بالمجابرة، مباشرا للتدريس في الجامع الأموي عامة وخاصة مع إحسان تجويده للقرآن وترتيله له، وكانت الطلبة أيضا تذهب إلى منزله وتقرأ عليه إفرادا في غالب الأوقات النهارية.
أخذ عن عبد اللطيف الجالقي، والشرف الدمشقي، والعمادي المفتي، والجمال الفتحي إمام السلطان، والنجم الغزي، وعمر القاري، وأبي العباس المقرئ، وولي خطابة الجامع الأموي.
هذا وقد حضرته في دروسه الفرادية في العربية، ودروسه العامة الحديثية كالبخاري ومسلم في الثلاثة أشهر وغيرها. وأجازني بسائر مروياته عن جده لأمه الشيخ حسن البوريني ولله الحمد. وانتفع به جماعة منهم الشيخ علاء الدين ابن محمد بن علي الحصكفي مفتي الشام، وشيخنا إبراهيم بن منصور الفتال وغيرهما. وله تحريرات تدل على علمه وتحقيقه.
الشيخ محمد بن علاء الدين البابلي
أبو عبد الله محمد الشمس البابلي بن علاء الدين القاهري الزهري الشافعي الحافظ الرحلة، أحد الأعلام في الحديث والفقه، أحفظ أهل عصره لمتون الحديث والشروح، وأعرفهم بجرحها ورجالها وصحيحها وسقطها. حكي أنه رأى ليلة القدر ودعا بأشياء منها أن يكون مثل ابن حجر العسقلاني في الحديث، وكان حافظا نبيها ما وقع نظره قبل انكفافه على شيء إلا حفظه بسرعة، والذي وقع من محفوظاته القرآن بالروايات والشاطبية، والبهجة، وألفية العراقي في المصطلح، وألفية ابن مالك، وجمع الجوامع، ومتن التلخيص وغيرها. وكتب بخطه كتبا كثيرة منها فتح الباري لابن حجر.