ومنهم الشيخ سلطان بن أحمد بن سلامة بن إسماعيل، أبو العزائم المزاحي الأزهري، المصري، الشافعي، بحر العلوم، خاتمة الحفاظ والقراء، العابد الزاهد الناسك الصوّام القوام، قرأ بالروايات على الشيخ المقرئ سيف الدين بن عطاء الله الفضالي، بفتح الفاء البصير، وأخذ عن النور الزيادي وسالم الشبشيري وأحمد بن خليل السبكي، وحجازي الواعظ ومحمد القصري تلميذ محمد الشربيني، واشتغل بالعلوم العقلية على شيوخ كثيرين ينوفون عن ثلاثين وأجيز بالإفتاء والتدريس سنة ثمان وألف، وتصدر بالأزهر للتدريس، يجلس كل يوم للفقه إلى قريب الظهر، موزعا أوقاته من نهاره على انتفاع الناس منه وعلى عباداته النهارية والليلية، وأخذ عنه الشمس البابلي والعلا والشبراملسي وعبد القادر الصفوري ومحمد الخباز البطنيني الدمشقيان ومنصور الطوخي، ومحمد البقري، ومحمد بن خليفة الشوبري، وإبراهيم المرحومي، والسيد أحمد الحموي، وعثمان النحراوي، وشاهين الارمناوي، ومحمد البهوتي الحنبلي، وعبد القادر الزرقاني المالكي، وأحمد البشبيشي وغيرهم ممن لا يحصى كثرة، وجميع الفقهاء بمصر في عصرنا لم يأخذوا الفقه إلا عنه، وكان يقول: من أراد أن يصير عالما فليحضر درسي، لأنه كان في كل سنة يختم عدة كتب في علوم عديدة، يقرؤها قراءة مفيدة وكان يأتي من داره من باب زويلة إلى الأزهر ثلث الليل الآخر فيستمر يصلي إلى طلوع الفجر، ثم يصلي الصبح إماما بالناس، ويجلس بعد الصبح لسماع القرآن بالأوجه من طرق الشاطبية والدرة والطبية والقباقبية، ثم يذهب بعد دخول وقت الضحى إلى فسقية الأزهر فيتوضأ ويصلي الضحى ويجلس للفقه لقريب الظهر. وهذا دأبه كل يوم، وكان يفطر كل يوم قبل جلوسه للفقه على الفطيرة بالسمن والسكر النبات، وكان بمفرده في الأزهر في عصره يختم المنهاج بشرحه للقاضي زكريا في ثمانية أشهر من أول ذي القعدة لختام جمادى الآخرة، ولم يره أحد يصلي قاعداً مع كبر سنه وضعفه، له حاشية على القاضي زكريا شرح المنهاج، ومؤلف في القراءات الزائدة الأربع على العشرة من طريق القباقبية. وذكره العلامة أحمد العجمي في مشايخه الذين أخذ عنهم. وكان مولده سنة خمس وثمانين وتسع مئة وألف. وتقدم للصلاة عليه البابلي. ودفن بتربة المجاورين.
والمزاحي: بفتح الميم وتشديد الزاي وبعدها ألف مهملة نسبة إلى منية مزاح قرية بمصر.
ومن كراماته أنه دخل عليه لص وهو يصلي ليلاً في الأزهر فأخذ عمامته عن رأسه فاستمر يصلي، وأراد اللص الخروج فوجد باب الأزهر قد انغلق فانحبس اللص، فأعادها إلى رأس الشيخ فوجد الباب قد انفتح فأخذها ثانياً وأراد الخروج فوجد الباب قد انفتح وهكذا مراراً، فوضعها اللص على رأس الشيخ بعد اليأس.
هذا وقد قرأت عليه القرآن إفراداً وجمعاً للعشرة من طريق الطيبة جانبا من سورة البقرة. وحضرت سماعه لجماعة من المصريين والمغاربة ومن غالب الآفاق وقرايا مصر السبعة، وللثلاثة من طريق الدرة والشاطبية، وللعشرة من طريق طيبة النشر وللأربعة عشر إفرادا وجمعا من طريق القباقبية وغيرها. وأجازني من هذه الطرق كلها الله الحمد والمنة. وكان في مقام الاجتهاد في فن القراءات. وأيضا حضرت دروسه العامة في شرح المنهاج، وأيضا شرح جمع الجوامع. وأجازني بالإجازة الخاصة والعامة في سائر مروياته في أثناء سنة إحدى وسبعين وألف مدة مجاورتي بالأزهر. عبد السلام اللاقاني الأزهر
ومنهم الشيخ عبد السلام اللاقاني بن إبراهيم بن إبراهيم المصري المالكي الحافظ المتقن الفهامة شيخ المالكية في وقته بالقاهرة. كان في أول أمره على ما حكى من أهل الأهواء المارقين. ولم يتفق أنه رئي بمصر في مكان إلا في درس والده البرهان، وكان إذا انتهى الدرس يتفقد ولا يوجد ويمضي لما كان عليه حتى مات أبوه فتصدر في مكانه بجامع الأزهر للتدريس، وترك ما كان عليه وظهر منه من العلوم الشرعية والانتهاء وغيرها ما لا يخمن عليه. ولزمه غالب الجماعة الذين كانوا يحضرون دروس والده وانتفع به خلق كثير.
وله تآليف منها شرح المنظومة الجزائرية في العقائد، وثلاثة شروح على عقيدة والده الجوهرة، وكان ذا شهامة وهيبة وشدة ووقار حتى لا يقدر أحد من الحاضرين أن يسأله أو يرد عليه هيبة، وكان مشايخ وقته يحترمون ساحته وينقادون لرأيه.