نام کتاب : مسامرات الظريف بحسن التعريف نویسنده : السنوسي، محمد جلد : 1 صفحه : 485
ولا تنقع النفس بذلك متطلبة لماذا اختار هذه البلدة على غيرها؟ وما الداعي له لتأسيس هذا المسجد الجامع مع أن مقامه بالقيروان؟ والجواب نجده فيما ذكره مؤرخ الفتح الإفريقي عبد الرحمن بن عبد الحكم (- 257) الذي هو أقدم من وصلت إلينا مؤلفاته دون بقية مؤرخي مصر الإسلامية، كذا الفتوح الإفريقية لاتصالها بتاريخ مصر.
وننقل ما ذكره ابن عبد الحكم في مسير ابن الحبحاب، ثم نستخرج منه الجواب المطلوب.
(كان قدوم عبيدة بن عبد الرحمن من إفريقيا سنة خمس عشرة ومائة.
وفيها أمر ابن قطن على الأندلس، وكان ما خرج فيه العبيد والإماء من الجواري المتخيرة سبعمائة جارية، وغير ذلك من الخصيان، والخيل، والدواب، والذهب والفضة، والآنية.
واستخلف على إفريقيا حين خرج عقبة بن قدامة التجيبي.
فقدم على هشام [بن عبد الملك] بهدياه واستعفاه فأعفاه.
وكتب (أي هشام بن عبد الملك) إلى عبد الله (ذكا) بن الحبحاب وهو عامله على مصر يأمره بالمسير إلى إفريقيا وولاه إياها وذلك في شهر ربيع الآخر من سنة ست عشر ومائة.
فقدم عبيد الله بن الحبحاب إفريقيا فأخرج المستنير من السجن وولاه تونس، واستعمل ابنه إسماعيل بن عبيد الله على السوس، واستخلف ابنه القاسم بن عبيد الله على مصر، واستعمل على الأندلس عقبة بن الحجاج، وعزل عبد الملك بن قطن، ويقال بل كان الوالي على الأندلس يومئذ عنبسة بن سحيم الكلبي فعزله ابن الحبحاب، وولي عقبة بن الحجاج) .
يطالعنا كلام ابن عبد الحكم بأمرين هامين أولهما أن ابن الحبحاب لما حل بإفريقيا وزع وظائفها على ذويه من أبناء وأخوة وكأنه يرمي من وراء ذلك إلى أن تكون له خالصة دون غيره لأنه إذا غرس فيها امتنعت طاعتها على غيره.
فقد استعمل ابنه إسماعيل بن عبيد الله على السوس.
وستخلف ابنه القاسم بن عبيد الله على مصر.
وستعمل المستنير على تونس بعد أن أخرجه من السجن، والمستنير هذا الظاهر فيه انه أخو عبيد الله بن الحبحاب كما يفيده كلام ابن عبد الحكم حين حديثه على عبيدة بن عبد الرحمن القيسي الذي تولى إفريقيا قبل الحبحاب.
وهذا ما ذكره في ذلك: حدثنا بن أبي بكير عن الليث قال: وولي عبيدة بن عبد الرحمن إفريقيا في المحرم سنة عشر ومائة (110) .
فلما قدم عبيدة إفريقيا وجه المستنير بن الحبحاب غازياً إلى صقيلة فأصابتهم ريح فأغرقتهم ووقع المركب الذي كان فيه المستنير إلى ساحل أطرابلس.
فكتب عبيدة بن عبد الرحمن إلى عامله علىىأطرابلس يزيد بن مسلم الكندي يأمره أن يشده وثاقاً ويبعث معه ثقة فبعث به في وثاق فلما قدم على عبيدة جلده جلداً وجيعأن وطاف به القيروان على أتان ثم جعل يضربه في كل جمعة مرة حتى أبلغ إليه وذلك أن المستنير أقام بأرض الروم حتى نزل عليه الشتاء واشتدت أمواج البحر وعواصفه فلم يزل محبوساً عنده.
(فتوح إفريقا والأندلس ص92) .
أفاد ابن عبد الحكم أن المستنير بن الحبحاب، فلعله أخو عبيد الله بن الحبحاب.
فالمستنير بن الحبحاب لما ولي ولاية تونس لا نرتاب في أنه اقترح على والي إفريقيا أن يبني بها مسجداً حين رأى مدينة تونس لا تقل عظمة عن القيروان لأنها المدينة الثانية بعد الولاية الإفريقية والمغربية والأندلسية وهي القيروان وكونها المدينة الثانية في العصور الأولى الإسلامية يشير إليه ما ذكره ابن الشماع في الأدلة البينة النورانية على مفاخر الدولة الحفصية.
وكان أبو جعفر المنصور العباسي إذا قدم عليه رسول صاحب القيروان يقول له: ما فعلت إحدى القيروان يعني مدينة تونس، تعظيماً لها.
وخص أبو جعفر المنصور تونس كونها كانت كثيرة الشغب على الولاة، وهو ما أشار إليه البكري في كتابه المسالك والممالك، فبعد أن مدح أهل تونس قال: ومع هذا الفضل الذي فيها هي مخصوصة بالقيام على الأمراء والخلاف للولاة خالفت نحو عشرين مرة (المسالك والممالك ص40) .
فهذه الأهمية لهذه البلاد بعثت عبيد الله بن الحبحاب أن ينشئ مسجداً جامعاً بهأن فهو المسجد الثاني بعد مسجد عقبة بالقيروان وهو إن كان من حيث المساحة أقل من مسجد عقبة إلا انه كما قال ابن الشماع: وجامع تونس مليح الصنعة، حسن الوضع، مطل على البحر.
(الأدلة البينة النورانية ص17) .
نام کتاب : مسامرات الظريف بحسن التعريف نویسنده : السنوسي، محمد جلد : 1 صفحه : 485