نام کتاب : مختصر تاريخ دمشق نویسنده : ابن منظور جلد : 21 صفحه : 381
يقفوا عليها، فيقومون وهم يتعجبون منه. ويأتيه أصحاب الفقه المخالفون والموافقون، فلا يقومون إلا وهم مذعنون له بالحذق والدراية، ويجيء أصحاب الأدب فيقرؤن عليه الشعر، فيفسره. ولقد كان يحفظ عشرة آلاف بيت شعر من أشعار هذيل بإعرابها، وغريبها، ومعانيها. وكان من أضبط الناس للتاريخ، وكان يعينه على ذلك شيئان: وفور عقل، وصحة دين. وكان ملاك أمره إخلاص العمل لله.
قال عبد الله بن محمد البلوي: جلسنا ذات يوم نتذاكر الزهاد والعباد والعلماء، وما بلغ من فصاحتهم وزهدهم وعلمهم. فبينا نحن كذلك إذ دخل علينا عمر بن بنانة، فقال: فيم تتحاورون؟ قلنا: نتذاكر الزهاد والعباد وفصاحتهم، فقال عمر: والله ما رأيت رجل قط أورع، ولا أخشع، ولا أفصح، ولا أصبح، ولا أسمح، ولا أعلم، ولا أكرم، ولا أجمل ولا أنبل ولا أفضل من محمد بن إدريس الشافعي - رحمه الله - خرجت أنا وهو، والحارث بن لبيد إلى الصفا، وكان الحارث بن لبيد قد صحب صالحاً المري، وكان من الخاشعين المتقين الزاهدين. وكان حسن الصوت بالقرآن، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم " هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين. فإن كان لكم كيد فكيدون. ويل يومئذ للمكذبين ". قال: فرأيت الشافعي قد اضطرب وتغير لونه، وبكى بكاء شديداً حتى لصق بالأرض. قال: فأبكاني والله قلقه، وشدة خوفه الله - عز وجل - ثم لم يلبث أن قال: إلهي، أعوذ بك من مقام الكذابين، وإعلام الغافلين. إلهي، خشعت لك قلوب العارفين. وولهت بك همم المشتاقين، فهب لي من جودك، وجللني بسترك، واعف عني بكرم وجهك يا كريم.
عن أبي بكر بن الجنيد قال: حج بشر المريسي، فرجع، فقال لأصحابه: رأيت شاباً من قريش بمكة، ما أخاف على مذهبنا إلا منه - يعني الشافعي.
نام کتاب : مختصر تاريخ دمشق نویسنده : ابن منظور جلد : 21 صفحه : 381