نام کتاب : مختصر تاريخ دمشق نویسنده : ابن منظور جلد : 21 صفحه : 377
الرجعة، والذين باعوا أنفسهم من محبوب الدنيا، أما رأيتم ما استدرج به من كان قبلكم من الأمم بالإمارة؟ أما ترون كيف فضح مستورهم، وأمطر بواكر الهوان عليهم بتبديل سرورهم؟ فأصبحوا بعد خفض عيشهم، ولين رفاهيتهم في روح بين حصاد النعم، ومدارج المثلات. فقال له الرشيد: قدك، قد سللت علينا لسانك، وهو أمضى سيفيك! قال: هو لك إن قبلت لا عليك. قال: فهل من حاجة خاصة بعد العامة؟ قال: بعد بذل مكنون النصيحة، وتجريد الموعظة؟! أتأمرني أن أسود وجه موعظتي بالمسألة؟ والتفت الرشيد إلى محمد بن الحسن، فقال: ناظره بين يدي حتى أكون فاصلاً بينكما، فإن اختلفتما في فرع رجعتما إلى الأصل. قال: فالتفت محمد بن الحسن، فقال: يا شافعي، ما تقول في رجل تزوج بامرأة، ودخل بها، وتزوج بالثانية، ولم يدخل بها، وتزوج بالثالثة، ودخل بها، وتزوج بالرابعة ولم يدخل بها. أصاب الثانية أم الأولى، وأصاب الثالثة عمة الرابعة. فقال الشافعي: ينزل عن الثانية والرابعة من غير أن يلزمه شيء، ويتمسك بالأولى والثالثة. قال: ما حجتك؟ قال الشافعي: أما الثانية فإن الله - عز وجل - يقول: " فإن لم تكونوا دخلتم بهن، فلا جناح عليكم ". وأما الرابعة فإن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أن يتزوج الرجل المرأة على عمتها أو خالتها. ما تقول أنت يا محمد؟ كيف استقبل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القبلة يوم النحر وكبر؟ قال: فتعتع محمد بن الحسن. فقال الشافعي: يسألني عن الأحكام فأجيبه، وأسأله عن سنة من سنن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحتاج إليها الصادر والوارد فلا يجيبني، أفمن الإنصاف هذا؟ فتبسم الرشيد، وأمر للشافعي بعشرة آلاف دينار، فخرج الشافعي، ففرقه على باب داره، وانصرف مكرماً قال الأصمعي: رأيت أمير المؤمنين المأمون سنة أربع عشرة ومائتين يقول: لقد خص الله تعالى محمد بن إدريس الشافعي بالورع والعلم والفصاحة والأدب والصلاح والديانة، لقد سمعت أبي هارون يتوسل إلى الله به والشافعي حي يرزق.
نام کتاب : مختصر تاريخ دمشق نویسنده : ابن منظور جلد : 21 صفحه : 377