موعظة الْقرظِيّ لعمر وَهُوَ وَال على الْمَدِينَة ورد عمر عَلَيْهِ وندمه على ذَلِك حِين اسْتخْلف واعتذاره اليه
وَمر عمر بن عبد الْعَزِيز ذَات يَوْم بِالْمَدِينَةِ فِي ولَايَته وَهُوَ يسحب ثَوْبه فناداه مُحَمَّد بن كَعْب يَا عمر إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا جَاوز الْكَعْبَيْنِ فَهُوَ فِي النَّار فَالْتَفت إِلَيْهِ مغضبا فَقَالَ اتَّقِ الله يَا ابْن كَعْب لَا تكن ذبالة تضيء للنَّاس وَتحرق نَفسهَا فَلَمَّا ولي عمر الْخلَافَة سَأَلَ عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ فَأخْبر أَنه غاز فَكتب الى عَامله على الدروب يَأْمُرهُ أَن يجهزه ويسرحه إِن خرج إِلَيْهِ من غَزوه إِلَّا أَن يكره ذَلِك فيعفيه فَلَمَّا خرج مُحَمَّد إِلَى الْعَامِل سَأَلَهُ أَن يسير إِلَى عمر أقرأه الْكتاب قَالَ أما الجهاز فَلَا حَاجَة لي بِهِ أَنا أقوى وَقد كنت أردْت الْمسير إِلَيْهِ لولم يَأْتِ كِتَابه فِي أَمْرِي فَتوجه إِلَى عمر فَلَمَّا دخل رَآهُ على هَيْئَة غير الْهَيْئَة الَّتِي كَانَ عَهده عَلَيْهَا فَقَالَ يَا مُحَمَّد اسْتغْفر لي من سوء مردودي عَلَيْك حِين وعظتني بِالْمَدِينَةِ وَبكى حَتَّى اخضلت لحيته فَقَالَ مُحَمَّد غفر الله لَك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وأقالك عثرتك وَجعل يكثر اللحظ إِلَى عمر يقلب فِيهِ بَصَره فَقَالَ عمر يَا مُحَمَّد فيمَ تنظر إِلَيّ فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أنظر وأتعجب فَأَقُول أَيْن ذَاك اللَّوْن النَّضِير والشعرة الْحَسَنَة وَالْبدن الريان فَقَالَ عمر فَكيف لَو رَأَيْتنِي بعد ثَلَاث من دفني وَقد سَقَطت حدقتاي على خدي وسال منخراي وفمي صديدا ودودا كنت أَشد نكرَة لي مِنْك الْيَوْم تخييره جواريه حِين اسْتخْلف بَين الْعتْق والامساك على غير شَيْء
وَقَالَ سهل بن صَدَقَة مولى عمر بن عبد الْعَزِيز إِنَّه لما أفضت الْخلَافَة الى عمر سمعُوا فِي منزله بكاء عَالِيا فَسئلَ عَن ذَلِك الْبكاء فَقيل إِن عمر خير جواريه فَقَالَ إِنَّه قد نزل بِي أَمر شغلني عنكن فَمن اخْتَارَتْ مِنْكُن الْعتْق اعتقتها وَمن أَمْسَكتهَا لم يكن لَهَا مني شَيْء فبكين بكاء شَدِيدا يأسا مِنْهُ