نام کتاب : رجال المعلقات العشر نویسنده : الغلاييني، مصطفى جلد : 1 صفحه : 36
"هذه التربية التي لا تذكي نارا، ولا توهل دارا، ولا تسر جارا، عودها ضئيل، وفرعها كليل، وخيرها قليل. أقبح البقول مرعى، وأقصرها فرعا، وأشدها قلعا، فتعسا لها وجدعا. بلدها شاسع، وآكلها جائع، والمقيم عليها قانع. إلقوا بي أخا عبس، أرده عنكم بتعس ونكس، وأتركه من أمره في لبس" قالوا: "نصبح غدا ونرى فيك رأينا" فقال لهم عامر: انظروا إلى غلامكم هذا، "يعني لبدا" فإن رأيتموه نائما فليس من أمره شيء، إنما هو يتكلم بما جاء على لسانه، ويهذي بما يهجس به خاطره. وإذا رأيتموه ساهرا فهو صاحبه" فرمقوه فوجدوه وقد ركب رحلا فهو يكدم وسطه. حتى أصبح. فقالوا: "أنت صاحبه". فعمدوا إليه، فحلقوا رأسه وتركوا ذؤابته وألبسوه حلة. ثم غدوا به معهم على (النعمان) . فوجدوه يتغدى، ومعه (الربيع) ، وهما يأكلان لا ثالث لهما. والدار والمجالس مملوءة من الوفود. فلما فرغ من الغداء أذن للجعفريين، فدخلوا عليه: "وكان أمرهم قد تقارب" فذكروا للنعمان الذي قدموا له من حاجتهم. فاعترض "الربيع بن زياد" في كلامهم. فقام "لبيد" يرتجز ويقول:
أكل يوم هامتى مقزعه؟ ... يا رب هيجا هي خير من دعه
يا واهب الخير الكثير من سعة، ... إليك جاوزنا بلادا مسبعه
نحن بنو أم البنين الأربعة، ... سيوف حق، وجفان مترعه
نحن خيار عامر بن صعصعة، ... والضاربون الهام تحت الخيضعه
والمطعمون الجفنة المدعدعه ... مهلا
أبيت اللعن
لا تأكل معه
ثم ذكر بعدها بيتين رأينا الأدب يجبهنا دون ذكرهما.
فلما سمع "النعمان" كلام "لبيد" رفع يده من الطعام، وقال "خبثت - والله - علي طعامي يا غلام. وما رأيت كاليوم". ثم التفت إلى "الربيع" شزرا فقال: "أكذا أنت؟ ". قال: لا والله، لقد كذب علي ابن الأحمق اللئيم".
ثم قضى "النعمان" حوائج "الجعفريين" من وقته وصرفهم. ومضى "الربيع" إلى منزله. فبعث إليه "النعمان" بضعف ما كان يحبوه به، وأمره بالانصراف إلى أهله. فكتب إليه "الربيع": إني تخوفت أن يكون قد وقر في صدرك ما قاله "لبيد"، ولست برائم حتى تبعث من يبحث عن الأمر، فيعلم من حضرك إني لست كما قال فأرسل إليه (النعمان) : "إنك لست صانعا باتقائك مما قال "لبيد" شيئا، ولا قادرا على ما زلت به الألسن. فالحق بأهلك" فلحق بأهله. ثم أرسل إلى "النعمان" بأبيات شعر قالها. ومنها هذا البيت:
لئن رحلت جمالي إن لي سعة، ... ما مثلها سعة، عرضا ولا طولا
فكتب إليه (النعمان) :
شرد برحلك عني حيث شئت، ولا ... تكثر علي، ودع عنك الأباطيلا
قد قيل ما قيل ... إن صدقا وإن كذبا
فما اعتذارك من قول إذا قيلا؟
فالحق بحيث رأيت الأرض واسعة، ... وانشر بها الطرف، إن عرضا وإن طولا حاله بعد الإسلام
أسلم "لبيد" قبل الفتح، وحسن إسلامه، وهاجر، ولم يصح عنه إنه قال شيئا من الشعر بعد الإسلام إلا قوله:
ما عاتب المرء الكريم كنفسه ... والمرء يصلحه القرين الصالح
قيل وقوله أيضا:
الحمد لله: إذ لم يأتني أجلي، ... حتى اكتسيت من الإسلام سربالا
والصحيح أن البيت الثاني ليس له، وإنما هو لرجل سلولي من المعمرين.
والسبب في عدم قوله الشعر أنه لما أسلم وقرأ القرآن شغل بما فيه من حكمة رائعة، وموعظة حسنة، وبلاغة مدهشة، صرفته عن الشعر. يدلك إلى عامله (المغيرة بن شعبة) بالكوفة: "أن استنشد من عندك من شعراء مصرك ما قالوه في الإسلام" (أي بعد دخلوا فيه) فأرسل إلى (الأغلب العجلي) : أن أنشدني. فقال:
لقد طلبت هينا موجودا ... أرجزا تريد أم قصيدا
ثم أرسل إلى (لبيد) : أن أنشدني. فقال: "إن شئت ما عفي عنه (يعني الجاهلية) . فقال: "لا. أنشدني ما قلت في الإسلام". فانطلق إلى بيته. فكتب (سورة البقرة) في صحيفة، ثم أتى بها، فقال "أبدلني الله هذه في الإسلام مكان الشعر". فكتب بذلك (المغيرة) إلى (عمر) فنقص من عطاء (الأغلب) خمس مئة وزادها في عطاء (لبيد) ، فكان عطاؤه ألفين وخمس مئة فكتب (الأغلب) إلى (عمر) : "يا أمير المؤمنين، تنقص عطائي إن أطعتك؟ " فرد عليه ما نقصه وأقر (لبيدا) على الألفين والخمس مئة.
نام کتاب : رجال المعلقات العشر نویسنده : الغلاييني، مصطفى جلد : 1 صفحه : 36