نام کتاب : حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر نویسنده : عبد الرزاق البيطار جلد : 1 صفحه : 471
وفي سنة سبع وستين ومائتين وألف توجهت معه إلى الحجاز، وكانت هذه المرة له المرة الثالثة، ورأيت منه في السفر ما يدل على سمو درجته، وكان له مع علماء الحجاز مذاكرات علمية، وأبحاث علمية، وأبحاث شريفة سنية، وكانوا يشهدون له بالفضل.
ولو أردت أن أذكر في هذه الكتابة ما حواه من الشمائل وما لديه، لأفضى الأمر إلى قصر هذا الكتاب عليه، ولكن ما لا يذكر كله، لا يترك كله. وفي ثاني وعشرين من شعبان سنة اثنتين وسبعين ومائتين وألف مرض في داء ذات الجنب، وفي ليلة رمضان سأل عن إثبات الشهر، فأخبرناه بإثباته فشرب في السحر ونوى، وأصبح يعالج سكرات الموت، فوضع له بعض عياله نقطة ماء في فمه، ففتح عينيه ومسح فمه، وأمرهن بالإشارة بعدم العود لمثل ذلك. ومات رضي الله عنه قبل الغروب بساعة ونصف، وكان آخر كلامه من الدنيا الذكر، وكان نزوله لرمسه مع قول المؤذن للمغرب الله أكبر، وقد حضر مشهد جنازته جمع عظيم، وعدد جسيم، وما ترى منهم إلا من دموعه ساكبة، وأحزانه متفاقمة دائبة، وأسفه متزايد، وزفيره متصاعد، وذلك كما تقدم في غرة رمضان سنة اثنتين وسبعين ومائتين وألف، ودفن رضي الله عنه في تربة باب الله بجانب قبر سيدنا تقي الدين الحصني من جهة الشمال، وقبره ظاهر مشهور يزار، ولقد رثاه حفيده ابن أخي الأديب الأريب الشيخ محمد بهاء الدين البيطار:
ما قر قلبي من نواك ولا سكن ... كلا ولا عمري أميل إلى سكن
غادرت لي مر الصبابة والأسى ... وسلبتني حلو المسرة والوسن
أسري وأبكي في المعاهد شاكياً ... وجدي فترثي لي الحمامة في الفنن
والوعتي ما للحمام بدافع ... حكم الذي علم السرائر والعلن
يا وحشة للشام مذ بان الذي ... فاق الأفاضل بالمعارف والفطن
بحر تفجر من عيون بنانه ... عذب البيان مسلسلاً من كل فن
نام کتاب : حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر نویسنده : عبد الرزاق البيطار جلد : 1 صفحه : 471