وقال: إشراق الأرض بنور الشمس يستدعي نسبة مخصوصة بين الشمس والأرض، لو بطلت تلك النسبة لبطل استعدادها لقبول نور الشمس. والله تعالى كان موجوداً ولم يكن معه شيء إذا ليس لشيء مع وجوده رتبة المعية، ولكنه مع كل شيء بالتقدير والحفظ، ولولا معيته مع كل شيء لما بقي ممكن موجوداً، لذلك قال الله تعالى: وهو معكم.
وقال: نعم المعين للطالب على تصفية الباطن، وتزكية النفس، مصاحبة أقوام ظهروا بواطنهم من رذائل الأخلاق، وهم أقوام لا يشقى جليسهم بهم وقال: هل رأيت قط دباغاً وكناساً يزاحمان الملوك.
الفيلسوف أبو حاتم المظفر الاسفزاري
كان حكيماً معاصراً للفيلسوف عمر الخيام، وبينهما مناظرات، ولكن المظفر عنه بعيد، والغالب على المظفر علوم الهيئة وعلم الأثقال والحيل، وكان حانياً رؤوفاً بالمستفيدين على خلاف طبيعة الخيام.
وللمظفر تصانيف كثيرة في الرياضيات والآثار العلوية وغير ذلك وهو الذي عمل ميزان (ارشميد المقيا) س الذي يعرف به الغش والعيار. وصرف (من) عمره في ذلك مدة، فخاف خازن السلطان الأعظم، وهو خصي يقال له: سعادة الخادم ظهور خيانته في الخزانة بسبب هذا الميزان، فكسره وفتت أجزاءه، ولما سمع الحكيم المظفر (بهذا) مرض ومات أسفاً.
ومن كلماته قوله: نسبة اللذة الجسمية إلى اللذة العقلية كنسبة المتنسم إلى المتطعم.
وقال: المعلم أب روحاني والوالد أب بشري.
وقال: علم المهندس سبب للبناء فالمهندس بعلمه هو الأصل ويتلوه الباني ثم الأجير، فيأمر المهندس الباني والباني الأجير، والأجير يتصرف في الماء والطين.
يجب أن يكون الملك سخياً على نفسه وعلى رعيته.
الأديب الفيلسوف أبو العباس اللوكري
كان تلميذ بهمن يار، وبهمن يار تلميذ أبي علي. وعن الأديب أبي العباس انتشرت علوم الحكمة بخراسان.
وكان عالماً بأجزاء علوم الحكمة دقيقها وجليلها، وكف بصره في شيخوخته، وكان من أرباب البيوتات بكورة مرو.
وله تصانيف كثيرة منها بيان الحق بضمان الصدق، وقصيدة مع شرحها بالفارسية، ورسائل أخر وتعليقات ومختصرات وديوان شعر.
وسمعت من أثق به أنه قال في آخر عمره: أنا يئست من زيادة في علمي ومعرفتي، فلا زيادة لي على ما حصلت، وصرت عاجزاً بسبب الضعف وعدم البصر، واشتقت إلى العقبى.
كان يقول ذلك غير مرة، حتى ظهرت لتلامذته ومن حوله شدة شوقه إلى الدار الآخرة.
فإتفق أنه تناول يوماً الرأس المشوي، ودعاه واحد من تلامذته إلى الحمام، فكان ذلك سبب مرض موته.
وكان بعض تلامذته يعالجه وهو يقول: خلني وربي، فإن شفاني فله الأمر، وإن أماتني فله الحكم، فأنا لا أختار إلا ما إختاره الله تعالى.
وله شعر متين ذكرته في وشاح دمية القصر.
ومن حكمه: العلم يعلي الهمة، ويفيد المحاسن، ويبسط (اللسان) جنب كرامتك الأدنياء والسفلة، لا تنتفع بمشورة من لاتجربة له.
نقل المسرور إلى غير سرورك أهون من نقل المهموم إلى غير همه قد أحسن إليك من لا يسيء الظن بك.
الفيلسوف قطب الزمان محمد بن أبي طاهر
الطبسي الروزي هو من تلامذة الأديب أبي العباس، وأبوه من حكام قرى مرو، وأمه خوارزمية، وكان حكيماً كاملاً في أجزاء علوم الحكمة، صاحب خاطر وقاد.
ارتبطه الوزير نصير الدين محمود بن المظفر بن عبد العزيز بن أبي توبة ثم صار محروماً محتاجاً.
ومن كلماته: الناس محبوسون في سجن يخرج منهم واحد بعد واحد بلا تعين ويهلك، فإذا أخرج واحد، والأخر لا يدري أن النوبة تنتهي إليه أو إلى غيره، كان من الغفلة إشتغاله بعمارة السجن.
ومات هو بسرخس في شوال سنة تسع وثلاثين وخمسمائة بعد ما أصابه الفلج. وكانت خاتمه عمره على التوبة والأنابة وقال: أذنت تعزيتي، ولاذت نفسي بالموت. وصلى عليه الإمام الأجل محمد الزيادي بسرخس مع سائر الأئمة. أبو الفتح بن أبي سعيد الفندروجي
الفيلسوف الأوحد كان حافد ناصح الدولة، ومن تلامذة قطب الزمان، وإنتهى في الحكمة إلى غاية لم ير واحد في تلك الأدوار مثله، وكان حسن الأخلاق والشمائل، وله تصانيف في الأثار العلوية وكتاب في تفاضل الحيوانات، وتزهد في آخر عمره واعتكف في مدرسة الإمام شيخ المشايخ يوسف الهمذاني.