وكان حسن المعالجة فأصاب عميد خراسان محمد بن منصور قولنج أعيا دواؤه كل طبيب، فبعث إليه عميد خراسان مركوبه وغلمانه، وكلفه المصير إليه، والشمس في أول درجة من السرطان، وبين تلك القرية وبين نيسابور اثنا عشر فرسخاً، فلما هم الحكيم أبو القاسم بالمسير إلى نيسابور آذاه الحر. وسرعة الحركة، وجماح ذلك المركب والعطش، فقال لمن معه من تلامذته: نجا عميد خراسان وهلكت. وكان الأمر كما قال: فلما وافى نيسابور، وعالج عميد خراسان، وصح العميد، مرض أبو القاسم وسقطت قوته، وقد نيف على الثمانين، وقضى نحبه.
وقيل إن السلطان بعث إليه خواصه ودعاه إلى خدمته فقال: القنوع بما عنده لا يصلح لخدمة السلطان، ومن أكره على الخدمة لا ينتفع بخدمته، كالبازي الذي يكره على الصيد.
وبعث إليه سلطان غزنة وهو السلطان الكريم إبراهيم، مالاً عظيماً مع المحفة والمراكب، ودعاه إلى حضرته بلطائف فأجاب وقال: السلطان يطلبني لعلمي فأنفق علي ماله لأنفق عليه علمي، وهذا بيع وشراء والعلم لا يشرى ولا يباع، وما بي حاجة إلى قبول تلك الأموال، وإفاضة علمي على أهل بلدتي أولى، فأنا أدعو للسلطان بالخير، وأريح نفسي من رق المنة.
ومن كلماته: الطبيب الحقيقي من عالج بالفضائل نفسه، ورأى مضرته في الرذائل، ثم يهبط بعد ذلك إلى معالجة الأجسام فمن لا يهبط من معالجة النفس إلى معالجة الجسد فهو أسفل السافلين.
الأستاذ الحكيم المحقق أبو الحسن علي النسوى
كان من حكماء الري، وله الزيج الذي يقال له الزيج الفاخر، وكان حكيماً مهندساً، ذا أخلاق رضية، وقد قرب عمره من مائة سنة وقواه سليمة، إلا أن الضعف منعه عن المشي في الأسواق. (فلزم بيته) وقيل إنه كان من جملة تلامذة كوشيار وأبي معشر، وفي ذلك نظر، إلا أنه كان من المعمرين.
وحكى لي واحد من تلامذته بالري أنه قال: بالهمة العليا الصادقة ينال المرء مطلوبه لا بالكذب، وكان يقول لمن حضر للاستفادة: كن صاحب صناعة ولا تكن ذواقاً فإن الذواق لا يشبع.
فرامزو بن علي بن فرامرز
الملك العادل العالم عقد الدنيا والدين علاء الدولة الملك الري كان ملكاً عالماً رأيته بخراسان سنة ست عشرة وخمسمائة، وكان عرض على والدي تصنيفه الذي سماه مهجة التوحيد، وكان يذب عن رأي الحكيم أبي البركات بن ملكاً (ن) الطبيب البغدادي ويقرر قوله في مسألة العالمية، وكان ملكاً متخلقاً بأخلاق الحكماء، مستعداً للملك، قال يوماً للإمام عمر الخيام: ما تقول في اعتراضات الحكيم أبي البركات على كلام أبي علي؟ فقال له الإمام عمر: أبو البركات لم يفهم كلام أبي علي، وليست له رتبة الإدراك لكلامه، فكيف يكون له رتبة الإعتراض عليه، وإيراد الشكوك على كلامه. فقال له الملك علاء الدولة: أمن المستحيل أن يكون حدس أقوى من حدس أبي علي؟ أم من الممكن؟ فقال الإمام عمر: ليس من المستحيل. فقال له الملك علاء الدولة: ساواك عبد غيرك! أنت تقول ليس ليست له رتبة الإدراك والاعتراض (وغلامي الدواتي يقول له رتبة الإدراك والإعتراض) والزيادة تتكلم بما لا يزيد به كلامك على كلام مملوك، ولا تميل إلى سفاهة، غلامي أقدر عليها منك، فتشور الإمام عمر. فقال له الملك علاء الدولة: الحكيم يهجن كلام غيره بالبرهان، والجدلي السفيه بالوقيعة والبهتان، فاطلب أعلى الدرجتين، ولا تقنع بأخس الرذيلتين فقام الإمام عمر ملجماً بالسكوت. ومن كلمات الملك (علاء) الدولة في تصنيفه المسمى مهجة التوحيد من لا يكمل في صناعته التي تليق به فليس له أن يطلب صناعة أخرى، فإن رضي بالناقص والنقصان صار محجوباً عن نيل الكمال في جميع الأحوال. الدستور الفيلسوف عمر بن إبراهيم الخيام
حجة الحق كان نيسابوري الميلاد والآباء والأجداد، وكان تلو أبي علي في أجزاء علوم الحكمة، إلا أنه كان سيء الخلق، ضيق العطن.
وقد تأمل كتاباً بأصفهان سبع مرات وحفظه، وعاد إلى نيسابور وأملاه، فقوبل بنسخة الأصل فلم يوجد بينهما كثير تفاوت.
وطالعه الجوزاء والشمس وعطارد على درجة الطالع في ح من الجوزاء وعطارد صميمي والمشتري من التثليث ناظر إليهما.
وله ضنة بالتصنيف والتعليم، ولم يصنف إلا مختصراً في الطبيعيات ورسالة في الوجود ورسالة في الكون والتكليف وكان عالماً باللغة والفقه والتواريخ.