نام کتاب : تاريخ بغداد - ت بشار نویسنده : الخطيب البغدادي جلد : 8 صفحه : 688
4185 - الْحُسَيْن بن مَنْصُور الحلاج يكنى أبا مغيث، وقيل: أبا عَبْد اللَّهِ
وكان جده مجوسيا اسمه محمى من أهل بيضاء فارس.
نشأ الْحُسَيْن -[689]- بواسط، وقيل: بتستر، وقدم بَغْدَاد، فخالط الصوفية، وصحب من مشيختهم الجنيد بن مُحَمَّد، وأبا الْحُسَيْن النوري، وعمرو المكي.
والصوفية مختلفون فيه، فأكثرهم نفى الحلاج أن يكون منهم، وأبَى أن يعده فيهم، وقبله من متقدميهم أَبُو الْعَبَّاس بن عطاء الْبَغْدَادِيّ، ومحمد بن خفيف الشيرازي، وإبراهيم بن مُحَمَّد النصراباذي النَّيْسَابُورِيّ، وصححوا لَهُ حاله، ودونوا كلامه، حتى قَالَ ابن خفيف: الْحُسَيْن بن مَنْصُور عالم رباني.
ومن نفاه عَنِ الصوفية نسبه إِلَى الشعبذة فِي فعله، وإلى الزندقة فِي عقده، وله إِلَى الآن أصحاب ينسبون إليه، ويغلون فيه.
وكان للحلاج حسن عبارة، وحلاوة منطق، وشعر عَلَى طريقة التصوف، وأنا أسوق أخباره عَلَى تفاوت اختلاف القول فيه.
حَدَّثَنِي أَبُو سعيد مسعود بن ناصر بن أَبِي زيد السجستاني، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّد عَبْد اللَّهِ بْن عُبَيْد اللَّهِ بن باكو الشيرازي، بنيسابور، قَالَ: أَخْبَرَنِي حَمَدُ بن الْحُسَيْن بن مَنْصُور، بتستر، قَالَ: مولد والدي الْحُسَيْن بن مَنْصُور بالبيضاء فِي موضع، يقال لَهُ: الطور، ونشأ بتستر، وتلمذ لسهل بن عَبْد اللَّهِ التستري سنتين، ثم صعد إِلَى بَغْدَاد.
وكان بالأوقات يلبس المسوح، وبالأوقات يمشي بخرقتين مصبغ، ويلبس بالأوقات الدراعة والعمامة، ويمشي بالقباء أيضا عَلَى زي الجند، وأول ما سافر من تستر إِلَى البصرة كَانَ لَهُ ثمان عشرة سنة، ثم خرج بخرقتين إِلَى عمرو بن عُثْمَان المكي، وإلى الجنيد بن مُحَمَّد، وأقام مع عمرو المكي ثمانية عشر شهرا، ثم تزوج بوالدتي أم الْحُسَيْن بنت أَبِي يَعْقُوب الأقطع، وتعير عمرو بن عُثْمَان من تزويجه، وجرى بين عمرو وبين أَبِي يَعْقُوب وحشة عظيمة بذلك السبب.
ثم اختلف والدي إِلَى الجنيد بن مُحَمَّد وعرض عليه ما فيه من الأذية لأجل ما يجري بين أَبِي يَعْقُوب وبين -[690]- عمرو، فأمره بالسكون والمراعاة فصبر عَلَى ذلك مدة، ثم خرج إِلَى مكة وجاور سنة، ورجع إِلَى بَغْدَاد مع جماعة من الفقراء الصوفية، فقصد الجنيد بن مُحَمَّد وسأله عَنْ مسألة فلم يجبه، ونسبه إِلَى أَنَّهُ مدع فيما يسأله، فاستوحش وأخذ والدتي ورجع إِلَى تستر، وأقام نحو سنة.
ووقع لَهُ عند الناس قبول عظيم حتى حسده جميع من فِي وقته، ولم يزل عمرو بن عُثْمَان يكتب الكتب فِي بابه إِلَى خوزستان، ويتكلم فيه بالعظائم حتى حرد ورمى بثياب الصوفية، ولبس قباء، وأخذ فِي صحبة أبناء الدنيا.
ثم خرج وغاب عنا خمس سنين بلغ إِلَى خراسان، وما وراء النهر، ودخل إِلَى سجستان، وكرمان، ثم رجع إِلَى فارس.
فأخذ يتكلم عَلَى الناس، ويتخذ المجلس، ويدعو الخلق إِلَى اللَّه.
وكان يعرف بفارس بأبي عَبْد اللَّهِ الزاهد، وصنف لهم تصانيف، ثم صعد من فارس إِلَى الأهواز، وأنفذ من حملني إِلَى عنده، وتكلم عَلَى الناس، وقبله الخاص والعام.
وكان يتكلم عَلَى أسرار الناس وما فِي قلوبهم، ويخبر عنها فسمي بذلك حلاج الأسرار، فصار الحلاج لقبه.
ثم خرج إِلَى البصرة وأقام مدة يسيرة وخلفني بالأهواز عند أصحابه.
وخرج ثانيا إِلَى مكة، ولبس المرقعة والفوطة، وخرج معه فِي تلك السفرة خلق كثير، وحسده أَبُو يَعْقُوب النهرجوري، فتكلم فيه بما تكلم فرجع إِلَى البصرة وأقام شهرا واحدا.
وجاء إِلَى الأهواز وحمل والدتي وحمل جماعة من كبار الأهواز إِلَى بَغْدَاد، وأقام بِبَغْدَادَ سنة واحدة، ثم قَالَ لبعض أصحابه: احفظ ولدي حمد إِلَى أن أعود أنا، فإني قد وقع لِي أن أدخل إِلَى بلاد الشرك وأدعو الخلق إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فسمعت بخبره أَنَّهُ قصد إِلَى الهند، ثم قصد خراسان ثانيا ودخل ما وراء النهر، وتركستان، وإلى ماصين، ودعا الخلق إِلَى اللَّه تعالى، -[691]- وصنف لهم كتبا لم تقع إلي إِلا أَنَّهُ لما رجع كانوا يكاتبونه من الهند، بالمغيث، ومن بلاد ماصين وتركستان، بالمقيت، ومن خراسان، بالمميز، ومن فارس، بأبي عَبْد اللَّهِ الزاهد، ومن خوزستان، بالشيخ حلاج الأسرار، وكان بِبَغْدَادَ قوم يسمونه المصطلم، وبالبصرة قوم يسمونه المحير.
ثم كثرت الأقاويل عليه بعد رجوعه من هذه السفرة، فقام وحج ثالثا، وجاور سنتين، ثم رجع وتغير عما كَانَ عليه فِي الأول، واقتنى العقار بِبَغْدَادَ، وبنَى دارا ودعا الناس إِلَى معنى لم أقف إِلا عَلَى شطر منه حتى خرج عليه مُحَمَّد بن داود، وجماعة من أهل العلم، وقبحوا صورته، ووقع بين عَلِيّ بن عِيسَى وبينه لأجل نصر القشوري، ووقع بينه وبين الشبلي، وغيره من مشايخ الصوفية، فكان يَقُولُ قوم: إِنَّهُ ساحر، وقوم يقولون: مجنون، وقوم يقولون: لَهُ الكرامات، وإجابة السؤال، واختلفت الألسن فِي أمره حتى أخذه السلطان وحبسه.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بن أَحْمَد الحيري، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ مُحَمَّد بن الْحُسَيْن السلمي، قَالَ: الْحُسَيْن بن مَنْصُور، قيل: إنما سمي الحلاج لأنه دخل واسطا فتقدم إِلَى حلاج وبعثه فِي شغل لَهُ، فَقَالَ لَهُ الحلاج أنا مشغول بصنعتي، فَقَالَ: اذهب أنت فِي شغلي حتى أعينك فِي شغلك، فذهب الرجل فلما رجع وجد كل قطن فِي حانوته محلوجا، فسمي بذلك الحلاج! وقيل: إِنَّهُ كَانَ يتكلم فِي ابتداء أمره قبل أن ينسب إِلَى ما نسب إليه، عَلَى الأسرار، ويكشف عَنْ أسرار المريدين ويخبر عنها، فسمي بذلك حلاج الأسرار، فغلب عليه اسم الحلاج.
وقيل: إن أباه كَانَ حلاجا فنسب إليه.
أَخْبَرَنِي أَبُو عَلِيّ عَبْد الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فضالة النَّيْسَابُورِيّ، بالري قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُور مُحَمَّد بن أَحْمَدَ بْنِ عَلِيّ النهاوندي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّد بن سلامة المروزي، قَالَ: سمعت فارسا الْبَغْدَادِيّ، يَقُولُ: قَالَ رجل للحسين بن مَنْصُور: أوصني.
قَالَ: عليك بنفسك إن لم -[692]- تشغلها بالحق، شغلتك عَنِ الحق.
وَقَالَ لَهُ آخر: عظني، فَقَالَ لَهُ: كن مع الحق بحكم ما أوجب.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عِيسَى بن عبد العزيز الْبَزَّاز بهمذان، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيّ بن الْحَسَن الصيقلي، قَالَ: سمعت أبا الطيب مُحَمَّد بن الفرخان يَقُولُ: سمعت الْحُسَيْن بن مَنْصُور الحلاج يَقُولُ علم الأولين والآخرين مرجعه إِلَى أربع كلمات: حب الجليل، وبغض القليل، واتباع التنزيل، وخوف التحويل.
حَدَّثَنَا عبد العزيز عَلِيّ الْوَرَّاق: قَالَ: سمعت عَلِيّ بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جهضم يَقُولُ: كتب الْحُسَيْن بن مَنْصُور إِلَى أَحْمَد بن عطاء: أطال اللَّه لِي حياتك، وأعدمني وفاتك، على أحسن ما جرى به قدر، أو نطق به خبر، مع ما أن لك فِي قلبي من لواهج أسرار محبتك، وأفانين ذخائر مودتك، ما لا يترجمه كتاب، ولا يحصيه حساب، ولا يفنيه عتاب، وفي ذلك أقول:
كتبت ولم أكتب إليك وإنما كتبت إِلَى روحي بغير كتاب
وذلك أن الروح لا فرق بينها وبين محبيها بفصل خطاب
فكل كتاب صادر منك وارد إليك بما رد الجواب جوابي
أنشدنا مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن أَحْمَد الأهوازي، قَالَ: أنشدنا أَبُو حاتم الطبري للحسين بن مَنْصُور:
جبلت روحك فِي روحي كما يجبل العنبر بالمسك النتق
فإذا مسك شيء مسني فإذا أنت أنا لا نفترق
-[693]-
قَالَ: وأنشدنا أَبُو حاتم الطبري أيضا للحسين بن مَنْصُور:
مزجت روحك فِي روحي كما تمزج الخمرة بالماء الزلال
فإذا مسك شيء مسني فإذا أنت أنا فِي كل حال
أَخْبَرَنَا رضوان بن مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَن الدينوري، قَالَ: أنشدني أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْن بن عَلِيّ بن أَحْمَد الصيدلاني الْمُقْرِئ، قَالَ: أنشدني أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بْنِ عمران الْبَغْدَادِيّ، قَالَ: أنشدني الْحُسَيْن بن مَنْصُور الحلاج لنفسه، بالبصرة:
قد تحققت فِي سري فناجاك لساني
فاجتمعنا لمعان وافترقنا لمعان
إن يكن غيبك التعظيم عَنْ لحظ عياني
فلقد صيرك الوجد من الأحشاء دان
أَخْبَرَنَا الْحَسَن بن عَلِيّ الجوهري، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاس الخزاز، قَالَ: أنشدنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّد بن عُبَيْد اللَّهِ الكاتب، قَالَ: أنشدني أَبُو مَنْصُور أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بْنِ مطر، قَالَ: أنشدني أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْن بن مَنْصُور الحلاج لنفسه وحبست معه فِي المطبق:
دلال يا مُحَمَّد مستعار دلال بعد أن شاب العذار
ملكت وحرمة الخلوات قلبا لعبت به وقر به القرار
فلا عين يؤرقها اشتياق ولا قلب يقلقله ادكار
نزلت بمنزل الأعداء مني وبنت فما تزور ولا تزار
-[694]-
كما ذهب الحمار بأم عمرو فما رجعت ولا رجع الحمار
أَخْبَرَنَا رضوان بن محمد الدينوري، قَالَ: سمعت معروف بن مُحَمَّد الصوفي بالري يَقُولُ: سمعت الخلدي يَقُولُ: أنشد عند ابن عطاء البيتان اللذان للحسين بن مَنْصُور وهما:
أريدك لا أريدك للثواب ولكني أريدك للعقاب
وكل مآربي قد نلت منها سوى ملذوذ وجدي بالعذاب
فلما سمع بذلك ابن عطاء، قَالَ: هذا مما يتزايد به عذاب الشغف، وتهيام الكلف، واحتراق الأسف، وشغف الحب، فإذا صفا ووفا علا إِلَى مشرب عذب، وهطل من الحق دائم سكب.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عِيسَى بن عبد العزيز الهمذاني، قَالَ: أنشدني أَبُو الفتح الإسكندري، قَالَ: أنشدني القناد، قَالَ: أنشدني الْحُسَيْن بن مَنْصُور الحلاج:
متى سهرت عيني لغيرك أو بكت فَلا أعطيت ما منيت وتمنت
وإن أضمرت نفسي سواك فَلا رعت رياض المنى من وجنتيك وجنت
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بن أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّد بن عَبْد اللَّهِ الأردستاني بمكة، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ مُحَمَّد بن الْحُسَيْن السلمي بنيسابور، قَالَ: سمعت أبا الفضل بن حفص يَقُولُ: سمعت القناد يَقُولُ: لقيت الحلاج يوما فِي حالة رثة، فقلت لَهُ: كيف حالك؟ فأنشأ يَقُولُ:
لئن أمسيت فِي ثوبي عديم لقد بليا عَلَى حر كريم
فَلا يحزنك أن أبصرت حالا مغيرة عَنِ الحال القديم
-[695]-
فلي نفس ستتلف أو سترقى لعمرك بي إِلَى أمر جسيم!
حَدَّثَنِي أَبُو النجيب عبد الغفار بن عبد الواحد الأرموي، قَالَ: سمعت أبا عَبْد اللَّهِ الْحُسَيْن بن مُحَمَّد الْقَاضِي يَقُولُ: سمعت أَحْمَد بن العلاء الصوفي، قَالَ: سمعت عَلِيّ بن عبد الرحيم القناد، قَالَ: رأيت الحلاج ثلاث مرات فِي ثلاث سنين، فأول ما رأيته أني كنت أطلبه لأصحبه وآخذ عنه، فقيل لِي: إِنَّهُ بأصفهان، فسألت عنه، فقيل لِي: كَانَ هاهنا وخرج، فخرجت من وقتي وأخذت الطريق فرأيته على بعض جبال أصفهان وعليه مرقعة وبيده ركوة وعكاز، فلما رآني قَالَ: عَلِيّ التوري؟ ثم أنشا يَقُولُ:
لئن أمسيت فِي ثوبي عديم لقد بليا عَلَى حر كريم
فَلا يغررك أن أبصرت حالا مغيرة عَنِ الحال القديم
فلي نفس ستذهب أو سترقى لعمرك بي إِلَى أمر جسيم
ثم فارقني، وَقَالَ لِي: نلتقي إن شاء اللَّه، وملأ كفي دنينيرات.
فلما كَانَ بعد سنة أخرى سألت عنه أصحابه بِبَغْدَادَ، فقالوا: هو بالجبانة، فقصدت الجبانة، فسألت عنه فقيل لِي: إِنَّهُ فِي الخان، فدخلت الخان فرأيته وعليه صوف أبيض، فلما رآني، قَالَ: عَلِيّ التوري؟ قُلْتُ: نعم، فقلت: الصحبة الصحبة، فأنشدني:
دنيا تغالطني كأني لست أعرف حالها
حظر المليك حرامها وأنا احتميت حلالها
فوجدتها محتاجة فوهبت لذتها لها
ثم أخذ بيدي وخرجنا من الخان، فَقَالَ: أريد أن أمضي إِلَى قوم لا تحملهم ولا يحملونك، ولكن نلتقي.
وملأ كفي دنينيرات ثم غاب عني، فقيل لِي: إِنَّهُ بِبَغْدَادَ بعد سنة فجئته، فقيل لِي: السلطان يطلبه فبينا أنا فِي الكرخ بين السورين فِي يوم حار، فإذا به من بعيد عليه فوطة رملية مُتَخَفٍّ فيها، -[696]- فلما رآني بكى، وأنشأ يَقُولُ:
متى سهرت عيني لغيرك أو بكت فَلا بلغت ما أملت وتمنت
وإن أضمرت نفسي سواك فَلا رعت رياض المنى من وجنتيك وجنت
ثم قَالَ: يا عَلِيّ النجاء، أرجو أن يجمع اللَّه بيننا إن شاء اللَّه.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عَلِيّ بن الفتح، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُوسَى النَّيْسَابُورِيّ، قَالَ: سمعت مُحَمَّد بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شاذان يَقُولُ: سمعت مُحَمَّد بن عَلِيّ الكتاني يَقُولُ: دخل الْحُسَيْن بن مَنْصُور مكة فِي ابتداء أمره، فجهدنا حتى أخذنا مرقعته، قَالَ السوسي: أخذنا منها قملة فوزناها فإذا فيها نصف دانق من كثرة رياضته، وشدة مجاهدته.
حَدَّثَنِي مسعود بن ناصر، قَالَ: حدثنا ابن باكو الشيرازي، قَالَ: سمعت أبا عَبْد اللَّهِ الْحُسَيْن بن مُحَمَّد المزاري يَقُولُ: سمعت أبا يَعْقُوب النهرجوري يَقُولُ: دخل الْحُسَيْن بن مَنْصُور إِلَى مكة، وكان أول دخلته، فجلس فِي صحن المسجد سنة لا يبرح من موضعه إِلا للطهارة أو للطواف، ولا يبالي بالشمس ولا بالمطر، وكان يحمل إليه كل عشية كوز ماء للشرب، وقرص من أقراص مكة، فيأخذ القرص ويعض أربع عضات من جوانبه، ويشرب شربتين من الماء شربة قبل الطعام، وشربة بعده، ثم يضع باقي القرص عَلَى رأس الكوز فيحمل من عنده.
وَقَالَ ابن باكو: حَدَّثَنَا أَبُو الفوارس الجوزقاني، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن شيبان، قَالَ: سلم أستاذي، يعني أبا عَبْد اللَّهِ المغربي، عَلَى عمرو بن عُثْمَان المكي، فجاراه فِي مسألة فجرى فِي عرض الكلام أن قَالَ عمرو بن عُثْمَان: هاهنا شاب عَلَى أَبِي قبيس، فلما خرجنا من عند عمرو صعدنا إليه، وكان وقت الهاجرة، فدخلنا عليه، وإذا هو جالس عَلَى صخرة من أَبِي قبيس فِي الشمس، والعرق يسيل منه عَلَى تلك الصخرة، فلما نظر إليه أَبُو عَبْدِ اللَّهِ المغربي رجع -[697]- وأشار إلي بيده ارجع، فخرجنا ونزلنا الوادي ودخلنا المسجد، فَقَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: إن عشت ترى ما يلقى هذا، لأن اللَّه يبتليه بلاء لا يطيقه، قعد بحمقه يتصبر مع اللَّه! فسألنا عنه وإذا هو الحلاج.
أَخْبَرَنَا عَلِيّ بن أَبِي عَلي البصري، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَن مُحَمَّد بْن عُمَرَ الْقَاضِي، قَالَ: حملني خالي معه إِلَى الْحُسَيْن بن مَنْصُور الحلاج، وهو إذ ذاك فِي جامع البصرة يتعبد ويتصوف ويقرأ قبل أن يدعي تلك الجهالات، ويدخل فِي ذلك، وكان أمره إذ ذاك مستورا، إِلا أن الصوفية تدعي لَهُ المعجزات من طريق التصوف وما يسمونه مغوثات، لا من طريق المذاهب.
قَالَ: فأخذ خالي يحادثه، وأنا صبي جالس معهما أسمع ما يجري، فَقَالَ لخالي: قد عملت عَلَى الخروج من البصرة، فَقَالَ لَهُ خالي: لم؟ قَالَ: قد صير لِي أهل هذا البلد حديثا، فقد ضاق صدري، وأريد أبعد منهم، فَقَالَ لَهُ: مثل ماذا؟ قَالَ: يروني أفعل أشياء فَلا يسألوني عنها، ولا يكشفونها، فيعلمون أنها ليست كما وقع لهم، ويخرجون فيقولون: الحلاج مجاب الدعوة وله مغوثات، قد تمت عَلَى يده ألطاف، ومن أنا حتى يكون لِي هذا؟ بحسبك أن رجلا حمل إلي منذ أيام دراهم، وَقَالَ لِي: اصرفها إِلَى الفقراء فلم يكن بحضرتي فِي الحال أحد، فجعلتها تحت بارية من بواري الجامع إِلَى جنب أسطوانة عرفتها، وجلست طويلا فلم يجئني أحد، فانصرفت إِلَى منزلي وبت ليلتي، فلما كَانَ من غد جئت إِلَى الأسطوانة وجعلت أصلي.
فاحتف بي قوم من الفقراء، فقطعت الصلاة وشلت البارية فأعطيتهم تلك الدراهم، فشنعوا عَلَيَّ بأن قالوا: إني إذا ضربت يدي إِلَى التراب صار فِي يدي دراهم.
قَالَ: وأخذ يعدد مثل هذا، فقام خالي عنه وودعه ولم يعد إليه، وَقَالَ: هذا منمس وسيكون لَهُ بعد هذا شأن، فما مضى إِلا قليل حتى خرج من البصرة، وظهر أمره.
حَدَّثَنِي أَبُو سعيد السجزي، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْد اللَّهِ الصوفي الشيرازي، قَالَ: سمعت أبا الْحَسَن بن أَبِي توبة يَقُولُ: سمعت عَلِيّ -[698]- ابن أَحْمَد الحاسب، قَالَ: سمعت والدي، يَقُولُ: وجهني المعتضد إِلَى الهند لأمور أتعرفها ليقف عليها، وكان معي فِي السفينة رجل يعرف بالحسين بن مَنْصُور، وكان حسن العشرة طيب الصحبة، فلما خرجنا من المركب، ونحن عَلَى الساحل والحمالون ينقلون الثياب من المركب إِلَى الشط، فقلت لَهُ: أيش جئت إِلَى هاهنا؟ قَالَ: جئت لأتعلم السحر، وأدعو الخلق إِلَى اللَّه تعالى، قَالَ: وكان عَلَى الشط كوخ وفيه شيخ كبير، فسأله الْحُسَيْن بن مَنْصُور: هل عندكم من يعرف شيئا من السحر؟ قَالَ: فأخرج الشيخ كبة غزل وناول طرفه الْحُسَيْن بن مَنْصُور، ثم رمى الكبة فِي الهواء فصارت طاقة واحدة، ثم صعد عليها ونزل! وَقَالَ للحسين بن مَنْصُور: مثل هذا تريد؟ ثم فارقني ولم أره بعد ذلك إِلا بِبَغْدَادَ.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بن أَحْمَد الحيري، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي، قَالَ: قَالَ المزين: رأيت الْحُسَيْن بن مَنْصُور فِي بعض أسفاره، فقلت لَهُ: إِلَى أين؟ فَقَالَ: إِلَى الهند أتعلم السحر أدعو به الخلق إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ سمعت أبا عَلِيّ الهمذاني يَقُولُ: سألت إِبْرَاهِيم بن شيبان عَنِ الحلاج، فَقَالَ: من أحب أن ينظر إِلَى ثمرات الدعاوى الفاسدة، فلينظر إِلَى الحلاج وإلى ما صار إليه! قَالَ: وَقَالَ إِبْرَاهِيم: ما زالت الدعاوى والمعارضات مشئومة عَلَى أربابها مذ قَالَ إبليس أنا خير منه.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيّ بن الفتح، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن الْحُسَيْن النَّيْسَابُورِيّ، قَالَ: سمعت أبا الْعَبَّاس الرزاز يَقُولُ: قَالَ لِي بعض أصحابنا: قُلْتُ لأبي الْعَبَّاس بن عطاء: ما تقول فِي الْحُسَيْن بن مَنْصُور؟ فَقَالَ: ذاك مخدوم من الجن.
قَالَ: فلما كَانَ بعد سنة سألته عنه، فَقَالَ: ذاك ابن حق.
فقلت: قد سألتك عنه قبل هذا، فقلت: مخدوم من الجن، وأنت الآن تقول هذا! فَقَالَ: نعم، ليس كل من صحبنا يبقى معنا فيمكننا أن نشرفه عَلَى الأحوال، وسألت -[699]- عنه وأنت فِي بدء أمرك، وأما الآن وقد تأكد الحال بيننا، فالأمر فيه ما سمعت.
وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحُسَيْن: سمعت إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد النصراباذي، وعوتب فِي شيء حكى عنه، يعني عَنِ الحلاج، فِي الروح، فَقَالَ لمن عاتبه: إن كَانَ بعد النبيين والصديقين موحد فهو الحلاج.
أَخْبَرَنَا ابن الفتح، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن الْحُسَيْن، قَالَ: سمعت مَنْصُور بن عَبْد اللَّهِ يَقُولُ: سمعت الشبلي يَقُولُ: كنت أنا والحسين بن مَنْصُور شيئا واحدا، إلا أَنَّهُ أظهر وكتمت.
قَالَ: وسمعت منصورا يَقُولُ: سمعت بعض أصحابنا يَقُولُ: وقف الشبلي عليه وهو مصلوب، فنظر إليه، وَقَالَ: ألم ننهك عَنِ العالمين؟ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل الحيري، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي، قَالَ: سمعت جَعْفَر بن أَحْمَد يَقُولُ: سمعت أبا بكر بن أَبِي سعدان يَقُولُ: الْحُسَيْن بن مَنْصُور مموه ممخرق.
قَالَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ: وحكي عَنْ عمرو المكي أَنَّهُ قَالَ: كنت أماشيه فِي بعض أزقة مكة، وكنت أقرأ القرآن فسمع قراءتي فَقَالَ: يمكنني أن أقول مثل هذا ففارقته.
حَدَّثَنِي مسعود بن ناصر، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابن باكو الشيرازي، قَالَ: سمعت أبا زرعة الطبري يَقُولُ: الناس فيه، يعني فِي الْحُسَيْن بن مَنْصُور، بين قبول ورد، ولكن سمعت مُحَمَّد بن يَحْيَى الرَّازِيّ يَقُولُ: سمعت عمرو بن عُثْمَان يلعنه ويقول: لو قدرت عليه لقتلته بيدي، فقلت: أيش الذي وجد الشيخ عليه؟ قَالَ: قرأت آية من كتاب اللَّه، فَقَالَ: يمكنني أن أؤلف مثله وأتكلم به.
قَالَ: وسمعت أبا زرعة الطبري يَقُولُ: سمعت أبا يَعْقُوب الأقطع يقول: زوجت ابنتي من الْحُسَيْن بن مَنْصُور لما رأيت من حسن طريقته واجتهاده، فبان لِي بعد مدة يسيرة أَنَّهُ ساحر محتال، خبيث كافر.
-[700]-
ذكر بعض ما حكي عَنِ الحلاج من الحيل
أَخْبَرَنَا عَلِيّ بن أَبِي عَلِيّ الْمُعَدَّل، عَنْ أَبِي الْحَسَن أَحْمَد بن يوسف الأزرق، قَالَ: حَدَّثَنِي غير واحد من الثقات من أصحابنا أن الْحُسَيْن بن مَنْصُور الحلاج كَانَ قد أنفذ أحد أصحابه إِلَى بلد من بلدان الجبل، ووافقه عَلَى حيلة يعملها، فخرج الرجل فأقام عندهم سنين يظهر النسك والعبادة، وإقراء القرآن والصوم، فغلب عَلَى البلد حتى إذا علم أَنَّهُ قد تمكن أظهر أَنَّهُ قد عمي، فكان يقاد إِلَى مسجده، ويتعامى عَلَى كل أحد شهورا، ثم أظهر أَنَّهُ قد زمن، فكان يحبو أو يحمل إِلَى المسجد حتى مضت سنة عَلَى ذلك، وتقرر فِي النفوس زمانته وعماه، فَقَالَ لهم بعد ذلك: إني رأيت فِي النوم كأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِي: إِنَّهُ يطرق هذا البلد عبد لله صالح مجاب الدعوة، تكون عافيتك عَلَى يده وبدعائه، فاطلبوا لِي كل من يجتاز من الفقراء، أو من الصوفية، فلعل اللَّه أن يفرج عني عَلَى يد ذلك العبد وبدعائه، كما وعدني رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتعلقت النفوس إِلَى ورود العبد الصالح، وتطلعته القلوب، ومضى الأجل الذي كَانَ بينه وبين الحلاج، فقدم البلد فلبس الثياب الصوف الرقاق، وتفرد فِي الجامع بالدعاء والصلاة، وتنبهوا عَلَى خبره، فقالوا للأعمى، فَقَالَ: احملوني إليه، فلما حصل عنده وعلم أَنَّهُ الحلاج.
قَالَ لَهُ: يا عَبْد اللَّهِ إني رأيت فِي المنام كيت وكيت، فتدعو اللَّه لِي، فَقَالَ: ومن أنا وما محلي.
فما زال به حتى دعى لَهُ، ثم مسح يده عليه، فقام المتزامن صحيحا مبصرا! فانقلب البلد، وكثر الناس عَلَى الحلاج فتركهم وخرج من البلد، وأقام المتعامي المتزامن فيه شهورا.
ثم قَالَ لهم: إن من حق نعمة اللَّه عندي، ورده جوارحي عَلِيّ أن أنفرد بالعبادة انفرادا أكثر من هذا، وأن يكون مقامي فِي الثغر، وقد عملت عَلَى الخروج إِلَى طرسوس، فمن كانت لَهُ حاجة تحملتها، وإلا فأنا أستودعكم اللَّه، قَالَ: -[701]- فأخرج هذا ألف درهم فأعطاه، وَقَالَ: اغز بها عني، وأعطاه هذا مائة دينار، وَقَالَ: أخرج بها غزاة من هناك، وأعطاه هذا مالا، وهذا مالا حتى اجتمع ألوف دنانير ودراهم، فلحق بالحلاج فقاسمه عليها.
أَخْبَرَنَا عَلِيّ بن أَبِي عَلِيّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْر مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الشاهد الأهوازي، قَالَ: أَخْبَرَنِي فلان المنجم وأسماه ووصفه بالحذق والفراهة، قَالَ: بلغني خبر الحلاج وما كَانَ يفعله من إظهار تلك العجائب التي يدعي أنها معجزات.
فقلت: أمضي وأنظر من أي جنس هي من المخاريق، فجئته كأني مسترشد فِي الدين، فخاطبني وخاطبته، ثم قَالَ لِي: تشه الساعة ما شئت حتى أجيئك به، وكنا فِي بعض بلدان الجبل التي لا يكون فيها الأنهار، فقلت لَهُ: أريد سمكا طريا فِي الحياة الساعة، فَقَالَ: أفعل، اجلس مكانك فجلست، وقام، فَقَالَ: أدخل البيت وأدعو اللَّه أن يبعث لك به.
قَالَ: فدخل بيتا حيالي، وغلق بابه وأبطأ ساعة طويلة، ثم جاءني وقد خاض وحلا إِلَى ركبته وماء، ومعه سمكة تضطرب كبيرة، فقلت: لَهُ ما هذا؟ فَقَالَ: دعوت اللَّه فأمرني أن أقصد البطائح وأجيئك بهذه، فمضيت إِلَى البطائح فخضت الأهوار، فهذا الطين منها حتى أخذت هذه.
فعلمت أن هذه حيلة، فقلت لَهُ: تدعني أدخل البيت فإن لم ينكشف لِي حيلة فيه آمنت بك.
فَقَالَ: شأنك، فدخلت البيت وغلقته عَلَى نفسي فلم أجد فيه طريقا ولا حيلة، فندمت، وقلت: إن وجدت فيه حيلة فكشفتها، لم آمن أن يقتلني فِي الدار، وإن لم أجد طالبني بتصديقه، كيف أعمل؟ قَالَ: وفكرت فِي البيت فرفعت تأزيرة، وكان مؤزرا بإزار ساج، فإذا بعض التأزير فارغا، فحركت جسرية منه خمنت عليها فإذا قد انقلعت، فدخلت فيها فإذا هي باب ممر، فولجت فيه إِلَى دار كبيرة فيها بستان عظيم فيه صنوف الأشجار والثمار، والريحان، -[702]- والأنوار التي هو وقتها وما ليس هو وقته مما قد غطي وعتق، واحتيل فِي بقائه، وإذا الخزائن مفتحة فيها أنواع الأطعمة المفروغ منها والحوائج لما يعمل فِي الحال إذا طلب، وإذا بركة كبيرة فِي الدار فخضتها فإذا هي مملوءة سمكا كبارا وصغارا، فاصطدت واحدة كبيرة وخرجت، فإذا رجلي قد صارت بالوحل والماء إِلَى حد ما رأيت رجله، فقلت: الآن إن خرجت ورأى هذا معي قتلني، فقلت: أحتال عليه فِي الخروج، فلما رجعت إِلَى البيت أقبلت أقول: آمنت وصدقت، فَقَالَ لِي: مالك؟ قُلْتُ: ما هاهنا حيلة، وليس إِلا التصديق بك.
قَالَ: فاخرج فخرجت وقد بعد عَنِ الباب، وتموه عليه قولي، فحين خرجت أقبلت أعدو أطلب باب الدار، ورأى السمكة معي، فقصدني وعلم أني قد عرفت حيلته، فأقبل يعدو خلفي فلحقني، فضربت بالسمكة صدره ووجهه، وقلت لَهُ: أتعبتني حتى مضيت إِلَى البحر، فاستخرجت لك هذه منه! قَالَ: واشتغل بصدره وبعينه وما لحقهما من السمكة وخرجت.
فلما صرت خارج الدار طرحت نفسي مستلقيا لما لحقني من الجزع والفزع.
فخرج إلي وضاحكني وَقَالَ: ادخل.
فقلت: هيهات والله لئن دخلت لا تركتني أخرج أبدا.
فَقَالَ: اسمع، والله لئن شئت قتلك عَلَى فراشك لأفعلن، ولئن سمعت بهذه الحكاية لأقتلنك ولو كنت فِي تخوم الأرض وما دام خبرها مستورا فأنت آمن عَلَى نفسك، امض الآن حيث شئت.
وتركني ودخل فعلمت أَنَّهُ يقدر عَلَى ذلك بأن يدس أحد من يطيعه ويعتقد فيه ما يعتقده فيقتلني، فما حكيت الحكاية إِلَى أن قتل.
أَخْبَرَنَا عَلِيّ بن أَبِي عَلِيّ، عَنْ أَبِي الْحَسَن أَحْمَد بن يوسف الأزرق أن الْحُسَيْن بن مَنْصُور الحلاج لما قدم بَغْدَاد يدعو، استغوى كثيرا من الناس والرؤساء، وكان طعمه فِي الرافضة أقوى لدخوله من طريقهم، فراسل أبا سهل -[703]- ابن نوبخت يستغويه، وكان أَبُو سهل من بينهم مثقفا فهما فطنا، فَقَالَ أَبُو سهل لرسوله: هذه المعجزات التي يظهرها قد تأتي فيها الحيل، ولكن أنا رجل غزل، ولا لذة لِي أكبر من النساء وخلوتي بهن، وأنا مبتلى بالصلع حتى أني أطول شعر قحفي وآخذ به إِلَى جبيني وأشده بالعمامة واحتال فيه بحيل، ومبتلى بالخضاب لستر المشيب، فإن جعل لِي شعرا ورد لحيتي سوداء بلا خضاب آمنت بما يدعوني إليه كائنا ما كَانَ، إن شاء قُلْتُ: إِنَّهُ باب الإمام، وإن شاء الإمام، وإن شاء قُلْتُ: إِنَّهُ النَّبِيّ، وإن شاء قُلْتُ: إِنَّهُ اللَّه! قَالَ: فلما سمع الحلاج جوابه أيس منه، وكف عنه.
قَالَ أَبُو الْحَسَن: وكان الحلاج يدعو كل قوم إِلَى شيء من هذه الأشياء التي ذكرها أَبُو سهل عَلَى حسب ما يستبله طائفة طائفة.
وأَخْبَرَنِي جماعة من أصحابنا أَنَّهُ لما افتتن الناس بالأهواز وكورها بالحلاج وما يخرجه لهم من الأطعمة والأشربة فِي غير حينها، والدراهم التي سماها دراهم القدرة حدث أَبُو عَلِيّ الجبائي بذلك، فَقَالَ لهم: هذه الأشياء محفوظة فِي منازل يمكن الحيل فيها، ولكن أدخلوه بيتا من بيوتكم لا من منزله هو، وكلفوه أن يخرج منه جرزتين شوكا فإن فعل فصدقوه، فبلغ الحلاج قوله وأن قوما قد عملوا عَلَى ذلك، فخرج عَنِ الأهواز.
حَدَّثَنِي مسعود بن ناصر، قَالَ: حدثنا أَبُو عَبْد اللَّهِ بْن باكو الشيرازي، قَالَ: سمعت أبا عَبْد اللَّهِ بْن خفيف، وقد سأله أَبُو الْحَسَن بن أَبِي توبة عَنِ الْحُسَيْن بن مَنْصُور، فَقَالَ: سمعت أبا يَعْقُوب النهرجوري يَقُولُ: دخل الْحُسَيْن بن مَنْصُور مكة ومعه أربع مائة رجل فأخذ كل شيخ من شيوخ الصوفية جماعة، قَالَ: وكان فِي سفرته الأولى كنت آمر من يخدمه.
قَالَ: ففي هذه الكرة أمرت المشايخ وتشفعت إليهم ليحملوا عنه الجمع العظيم، قَالَ: فلما كَانَ وقت المغرب جئت إليه وقلت لَهُ: قد أمسينا فقم بنا حتى نفطر، -[704]- فَقَالَ: نأكل عَلَى أَبِي قبيس.
فأخذنا ما أردنا من الطعام وصعدنا إِلَى أَبِي قبيس، وقعدنا للأكل، فلما فرغنا من الأكل، قَالَ الْحُسَيْن بن مَنْصُور: لم نأكل شيئا حلوا، فقلت: أليس قد أكلنا التمر؟ فَقَالَ: أريد شيئا قد مسته النار.
فقام وأخذ ركوته وغاب عنا ساعة، ثم رجع ومعه جام حلواء فوضعه بين أيدينا، وَقَالَ: بسم اللَّه، فأخذا القوم يأكلون وأنا أقول مع نفسي قد أخذ فِي الصنعة التي نسبها إليه عمرو بن عُثْمَان، قَالَ: فأخذت منه قطعة، ونزلت الوادي، ودرت عَلَى الحلاويين أريهم ذلك الحلواء، وأسألهم هل يعرفون من يتخذ هذا بمكة فما عرفوه حتى حمل إِلَى جارية طباخة فعرفته، وَقَالَتْ: لا يعمل هذا إِلا بزبيد، فذهبت إِلَى حاج زبيد، وكان لِي فيه صديق، وأريته الحلواء فعرفه، وَقَالَ: يعمل هذا عندنا إِلا أَنَّهُ لا يمكن حمله فَلا أدري كيف حمل.
وأمرت حتى حمل إليه الجام وتشفعت إليه ليتعرف الخبر بزبيد هل ضاع لأحد من الحلاويين جام علامته كذا كذا.
فرجع الزبيدي إِلَى زبيد، وإذا أَنَّهُ حمل من دكان إنسان حلاوي، فصح عندي أن الرجل مخدوم.
وَقَالَ ابن باكو: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّهِ بْن مفلح، قَالَ: حَدَّثَنَا طاهر بن أَحْمَد التستري، قَالَ: تعجبت من أمر الحلاج، فلم أزل أتتبع وأطلب الحيل، وأتعلم النيرنجات لأقف عَلَى ما هو عليه، فدخلت عليه يوما من الأيام وسلمت، وجلست ساعة، ثم قَالَ لِي: يا طاهر لا تتعن فإن الذي تراه، وتسمعه من فعل الأشخاص لا من فعلي لا تظن أنه كرامة أو شعوذة فصح عندي أَنَّهُ كما يَقُولُ.
حَدَّثَنِي أَبُو سعيد السجزي، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْد اللَّهِ الصوفي الشيرازي، قَالَ: سمعت عَلِيّ بن الْحَسَن الفارسي، بالموصل، يَقُولُ: سمعت أبا بكر بن سعدان يَقُولُ: قَالَ لِي الْحُسَيْن بن مَنْصُور: تؤمن بي حتى أبعث إليك بعصفورة تطرح من ذرقها وزن حبة عَلَى كذا منا نحاس فيصير ذهبا؟! قَالَ: فقلت لَهُ: بل أنت تؤمن بي حتى أبعث إليك بفيل يستلقي فتصير
نام کتاب : تاريخ بغداد - ت بشار نویسنده : الخطيب البغدادي جلد : 8 صفحه : 688