نام کتاب : تاريخ بغداد - ت بشار نویسنده : الخطيب البغدادي جلد : 15 صفحه : 487
قَالَ: وحَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى الحماني عن بعض أصحابه: أَنَّ أَبَا حنيفة كَانَ يصلي الفجر بوضوء العشاء، وَكَانَ إِذَا أراد أن يصلي من الليل تزين حَتَّى يسرح لحيته.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن أَحْمَد بن رزق، قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاضِي أَبَا نصر وَأَخْبَرَنَا الحَسَن بن أَبِي بَكْر، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو نصر أَحْمَد بن نصر بن مُحَمَّد بن إشكاب البُخَارِي، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّد بن خلف بن رجاء، يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّد بن سلمة، عن ابن أَبِي معاذ، عن مسعر بن كدام، قَالَ: أتيت أَبَا حنيفة في مسجده، فرأيته يصلي الغداة، ثُمَّ يجلس للناس في العلم إلى أن يصلي الظهر، ثم يجلس إلى العصر، فإذا صلى العصر جلس إلى المغرب، فإذا صلى المغرب جلس إلى أن يصلي العشاء، فَقُلْتُ في نفسي: هَذَا الرجل في هَذَا الشغل مَتَى يفرغ للعبادة؟ لأتعاهدنه الليلة، قَالَ: فتعاهدته، فَلَمَّا هدأ النَّاس، خرج إلى المسجد فانتصب للصلاة إلى أن طلع الفجر، ودخل منزله ولبس ثيابه، وخرج إلى المسجد وصلى الغداة، فجلس للنَّاس إلى الظهر، ثُمَّ إلى العصر، ثُمَّ إلى المغرب، ثُمَّ إلى العشاء، فَقُلْتُ في نفسي: إِنَّ الرجل قد تنشط الليلة، لأتعاهدنه الليلة، فتعاهدته، فَلَمَّا هدأ النَّاس خرج فانتصب للصلاة، ففعل كفعله في الليلة الأولى، فَلَمَّا أصبح خرج إلى الصَّلاة، وفعل كفعله في يوميه، حَتَّى إِذَا صلى العشاء قُلْتُ في نفسي: إِنَّ الرجل لينشط الليلة والليلة، لأتعاهدنه الليلة، ففعل كفعله في ليلتيه، فَلَمَّا أصبح جلس كذلك، فَقُلْتُ في نفسي: لألزمنه إلى أن يموت أَوْ أموت، قَالَ: فلازمته في مسجده، قَالَ ابن أَبِي معاذ: فبلغني أَنَّ مسعرًا مات في مسجد أَبِي حنيفة في سجوده
أَخْبَرَنَا الخلال، قَالَ: أَخْبَرَنَا الحريري، أَنَّ النخعي، حدثهم قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عَليّ بن عَفَّان، قَالَ: حَدَّثَنَا عَليّ بن حفص البَزَّاز، قَالَ: سَمِعْتُ -[488]- حفص بن عَبْد الرَّحْمَن، يَقُولُ: سَمِعَت مسعر بن كدام، يَقُولُ: دخلت ذات ليلة المسجد فرأيت رجلا يصلي، فاستحليت قراءته فقرأ سبعا، فَقُلْتُ: يركع، ثُمَّ قرأ الثالث، ثُمَّ النصف، فلم يزل يقرأ القُرْآن حَتَّى ختمه كله في ركعة، فنظرت فَإِذَا هُوَ أَبُو حنيفة وَقَالَ النخعي: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بن مَخْلَد البَلْخِيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بن رستم المَرْوَزِيّ، قَالَ: سَمِعْتُ خارجة بن مُصْعَب، يَقُولُ: ختم القُرْآن في ركعة أربعة من الأئمة: عُثْمَان بن عَفَّان، وتميم الداري، وَسَعِيد بن جُبَيْر، وَأَبُو حنيفة.
وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن مَخْلَد: حَدَّثَنَا أَحْمَد بن يَحْيَى الباهلي، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن نصر، قَالَ: كَانَ أَبُو حنيفة ربما ختم القُرْآن في شهر رمضان ستين ختمة.
أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْر الوكيل، وَأَبُو الفَتْح الضَّبِّيّ، قَالا: حَدَّثَنَا عُمَر بن أَحْمَد الواعظ، قَالَ: حَدَّثَنَا مكرم بن أَحْمَد، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بن مُحَمَّد الحماني، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بن يُونُس، قَالَ: سَمِعْتُ زائدة، يَقُولُ صليت مَعَ أَبِي حنيفة في مسجده عشاء الآخرة، وخرج النَّاس ولم يعلم أني في المسجد، وأردت أن أسأله عن مسألة، من حيث لا يراني أحد، قَالَ: فقام، فقرأ، وقد افتتح الصَّلاة، حَتَّى بلغ إلى هذه الآية: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} فأقمت في المسجد أنتظر فراغه، فلم يزل يرددها حَتَّى أذن المُؤَذِّن لصلاة الفجر.
-[489]-
وَقَالَ أَحْمَد بن مُحَمَّد سَمِعْتُ أَبَا نُعَيْم ضرار بن صرد، يَقُولُ: سَمِعْتُ يزيد بن الكميت، وَكَانَ من خيار الناس، يَقُولُ: كَانَ أَبُو حنيفة شديد الخوف من الله، فقرأ بنا عَليّ بن الحُسَيْن المُؤَذِّن ليلة في عشاء الآخرة إِذَا زُلْزِلَتِ وَأَبُو حنيفة خلفه، فَلَمَّا قضى الصَّلاة وخرج النَّاس، نظرت إلى أَبِي حنيفة وَهُوَ جالس يفكر ويتنفس، فَقُلْتُ: أقوم لا يشتغل قلبه بي، فَلَمَّا خرجت تركت القنديل ولم يكن فيه إِلا زيت قليل، فجئت وقد طلع الفجر وَهُوَ قائم قد أخذ بلحية نفسه وَهُوَ يَقُولُ: يا من يجزي بمثقال ذرة خير خيرًا، ويا من يجزي بمثقال ذرة شر شرًا، أجر النُّعْمَان عبدك من النار، وما يقرب منها من السوء، وأدخله في سعة رحمتك، قَالَ: فأذنت، فَإِذَا القنديل يزهر وَهُوَ قائم، فَلَمَّا دخلت، قَالَ لي: تريد أن تأخذ القنديل؟ قَالَ: قُلْتُ: قد أذنت لصلاة الغداة، قَالَ: اكتم عَليّ ما رَأَيْت، وركع ركعتي الفجر، وجلس حَتَّى أقمت الصَّلاة، وصلى معنا الغداة عل وضوء أَوَّل الليل.
أَخْبَرَنَا الخلال، قَالَ: أَخْبَرَنَا الحريري أن النخعي، حدثهم قَالَ: حَدَّثَنَا بختري بن مُحَمَّد، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن سماعة، عن مُحَمَّد بن الحَسَن، قَالَ: حَدَّثَنِي الْقَاسِم بن مَعْن أَنَّ أَبَا حنيفة قام ليلة بهذه الآية {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ}، يرددها ويبكي ويتضرع.
وَقَالَ النخعي: حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بن الربيع، قَالَ: حَدَّثَنَا حبان بن موسى، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْد الله بن المبارك، يَقُولُ: قدمت الكوفة فسألت عن أورع أهلها، فقالوا: أَبُو حنيفة.
وَقَالَ سُلَيْمَان: سَمِعْتُ مكي بن إِبْرَاهِيم، يَقُولُ: جالست الكوفيين، فما -[490]- رَأَيْت منهم أورع من أَبِي حنيفة.
وَقَالَ النخعي: حَدَّثَنَا الحُسَيْن بن الحكم الحبري، قَالَ: حَدَّثَنَا عَليّ بن حفص البَزَّاز، قَالَ: كَانَ حفص بن عَبْد الرَّحْمَن شريك أَبِي حنيفة، وَكَانَ أَبُو حنيفة يجهز عَلَيْهِ، فبعث إِلَيْهِ في رفقة بمتاع، وأعلمه أن في ثوب كذا وكذا عيبا، فَإِذَا بعته فبين، فباع حفص المتاع ونسي أن يبين، ولم يعلم ممن باعه، فَلَمَّا علم أَبُو حنيفة تصدق بثمن المتاع كله.
أَخْبَرَنِي أَبُو بِشْر الوكيل، وَأَبُو الفَتْح الضَّبِّيّ، قَالا: حَدَّثَنَا عُمَر بن أَحْمَد، قَالَ: حَدَّثَنَا مكرم بن أَحْمَد، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بن المغلس الحماني، قَالَ: حَدَّثَنَا مليح بن وكيع، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: كَانَ أَبُو حنيفة قد جعل عَلَى نفسه أن لا يحلف بالله في عرض كلامه إِلا تصدق بدرهم، فحلف فتصدق بِهِ، ثُمَّ جعل عَلَى نفسه إن حلف أن يتصدق بدينار، فَكَانَ إِذَا حلف صادقا في عرض الكلام تصدق بدينار، وَكَانَ إِذَا أنفق عَلَى عياله نفقة تصدق بمثلها، وَكَانَ إِذَا اكتسى ثوبًا جديدا كسى بقدر ثمنه الشيوخ العُلَمَاء، وَكَانَ إِذَا وضع بين يديه الطعام أخذ منه، فوضعه عَلَى الخبز حَتَّى يأخذ منه بقدر ضعف ما كَانَ يأكل، فيضعه عَلَى الخبز ثُمَّ يعطيه إنسانا فقيرا، فإن كَانَ في الدار من عياله إِنْسَان يحتاج إِلَيْهِ دفعه إِلَيْهِ، وإلا أعطاه مسكينا.
أَخْبَرَنَا التَّنُوخِيّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن حَمْدَان، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بن الصلت الحماني، قَالَ: سَمِعْتُ مليح بن وكيع، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي، يَقُولُ: كَانَ والله أَبُو حنيفة عظيم الأمانة، وَكَانَ الله في قلبه جليلا كبيرا عظيما، وَكَانَ يؤثر رضا ربه عَلَى كل شيء، ولو أخذته السيوف في الله لاحتمل، رحمه الله ورضي عَنْهُ رضا الأبرار فلقد كَانَ منهم
-[491]-
أَخْبَرَنَا الحَسَن بن أَبِي بَكْر، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن أَحْمَد بن الحَسَن الصواف، قَالَ: حَدَّثَنَا محمود بن مُحَمَّد المَرْوَزِيّ، قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيم بن عَبْد الله الخلال، ذكروا لَهُ عن حامد بن آدم، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْد الله بن المبارك، يَقُولُ: ما رَأَيْت أحدا أورع من أَبِي حنيفة، فَقَالَ: من رأيي أن أخرج إلى حامد في هَذَا الحرف الواحد أسمع منه وَأَخْبَرَنَا الحَسَن، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابن الصواف، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن مُحَمَّد المَرْوَزِيّ، قَالَ: سَمِعْتُ حامد بن آدم، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْد الله بن المبارك، يَقُولُ: ما رَأَيْت أحدا أورع من أَبِي حنيفة، وقد جرب بالسياط والأموال أَخْبَرَنَا عَليّ بن أَبِي عَليّ البَصْرِيّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بن عَبْد الرَّحِيم المازني، قَالَ: حَدَّثَنَا الحُسَيْن بن القاسم الكوكبي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الحَسَن الديباجي، قَالَ: حَدَّثَنَا زيد بن أخزم، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْد الله بن صهيب الكلبي، يَقُولُ: كَانَ أَبُو حنيفة النُّعْمَان بن ثابت يتمثل كثيرا:
عطاء ذي العرش خير من عطائكم وسيبه واسع يرجى وينتظر
أنتم يكدر ما تعطون منكم والله يعطي بلا من ولا كدر
أَخْبَرَنَا الخلال، قَالَ: أَخْبَرَنَا الحريري، أَنَّ النخعي، حدثهم قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيد القصار، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّد بن أَبِي عَبْد الرَّحْمَن المسعودي، عن أَبِيهِ، قَالَ: ما رَأَيْت أحسن أمانة من أَبِي حنيفة، مات يوم مات وعنده ودائع بخمسين ألفا، ما ضاع منها ولا درهم واحد
-[492]- وَقَالَ النخعي: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بن مَخْلَد، قَالَ: حَدَّثَنَا بَكْر العمي، عن هلال بن يَحْيَى، عن يُوسُف السمتي، أن أَبَا جَعْفَر المنصور، أجاز أَبَا حنيفة بثلاثين ألف درهم في دفعات، فَقَالَ: يا أمير المؤمنين، إني ببَغْدَاد غريب، وَلَيْسَ لها عندي موضع، فأجعلها في بيت المال، فأجابه المنصور إلى ذَلِكَ، قَالَ: فَلَمَّا مات أَبُو حنيفة أخرجت ودائع النَّاس من بيته، فَقَالَ المنصور: خدعنا أَبُو حنيفة.
وَقَالَ النخعي: حَدَّثَنَا سوادة بن عَليّ، قَالَ: حَدَّثَنَا خارجة بن مُصْعَب بن خارجة، قَالَ: سَمِعْتُ مغيث بن بديل، يَقُولُ: قَالَ خارجة بن مُصْعَب: أجاز المنصور أَبَا حنيفة بعشرة آلاف درهم، فدعي ليقبضها، فشاورني، وَقَالَ: هَذَا رجل إن رددتها عَلَيْهِ غضب، وإن قبلتها دخل عَليّ في ديني ما أكرهه؟ فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا المال عظيم في عينه، فَإِذَا دعيت لتقبضها، فقل: لم يكن هَذَا أملي من أمير المؤمنين، فدعي ليقبضها، فَقَالَ ذَلِكَ، فرفع إِلَيْهِ خبره، فحبس الجائزة، قَالَ: فَكَانَ أَبُو حنيفة لا يكاد يشاور في أمره غيري.
ما ذكر من جود أَبِي حنيفة وسماحه وحسن عهده.
أَخْبَرَنِي أَبُو بِشْر الوكيل، وَأَبُو الفَتْح الضَّبِّيّ، قَالا: حَدَّثَنَا عُمَر بن أَحْمَد الواعظ، قَالَ: حَدَّثَنَا مكرم بن أَحْمَد، قال: حَدَّثَنَا أَحْمَد بن مُحَمَّد الحماني، قَالَ: حَدَّثَنَا عاصم بن عَليّ، قَالَ: سَمِعْتُ قيس بن الربيع، يَقُولُ: كَانَ أَبُو حنيفة رجلا ورعا فقيها محسودا، وَكَانَ كثير الصلة والبر لكل من لجأ إليه، كثير الإفضال عَلَى إخوانه، قَالَ: وَسَمِعْتُ قيسا، يَقُولُ: كَانَ النُّعْمَان بن ثابت من عقلاء الرجال.
-[493]-
وَقَالَ مكرم: حَدَّثَنَا أَحْمَد بن عطية، قَالَ: حَدَّثَنَا الحَسَن بن الربيع، قَالَ: كَانَ قيس بن الربيع يحَدّثَنِي عن أَبِي حنيفة أَنَّهُ كَانَ يبعث بالبضائع إلى بَغْدَاد، فيشتري بها الأمتعة ويحملها إلى الكوفة، ويجمع الأرباح عنده من سنة إلى سنة، فيشتري بها حوائج الأشياخ المحدثين، وأقواتهم وكسوتهم وجميع حوائجهم، ثُمَّ يدفع باقي الدنانير من الأرباح إليهم، فيقول: أنفقوا في حوائجكم ولا تحمدوا إِلا الله، فإني ما أعطيتكم من مالي شيئا، ولكن من فضل الله عَليّ فيكم، وهذه أرباح بضائعكم، فَإِنَّهُ هُوَ والله مما يجريه الله لكم عَلَى يدي، فما في رزق الله حولٌ لغيره.
أَخْبَرَنَا الحُسَيْن بن عَليّ الحنيفي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَليّ بن الحَسَن الرَّازِيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن الحُسَيْن الزَّعْفَرَانِيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بن زهير، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بن أَبِي شيخ، قَالَ: حَدَّثَنِي حجر بن عَبْد الجبار، قَالَ: ما رأى النَّاس أكرم مجالسة من أَبِي حنيفة، ولا إكراما لأصحابه، قَالَ حجر: كَانَ يُقَال: إِنَّ ذوي الشرف أتم عقولا من غيرهم
أَخْبَرَنَا الصيمري، قَالَ: قرأنا عَلَى الحُسَيْن بن هَارُون، عن أَبِي العَبَّاس بن سَعِيد، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بن مُحَمَّد بن يَحْيَى الخازمي، قَالَ: حَدَّثَنَا حسين بن سَعِيد اللَّخْميّ، قَالَ: سَمِعْتُ حفص بن حمزة القُرَشِيّ، يَقُولُ: كَانَ أَبُو حنيفة ربما مر بِهِ الرجل، فيجلس إِلَيْهِ لغير قصد ولا مجالسة، فَإِذَا قام سَأَلَ عَنْهُ، فإن كانت بِهِ فاقة وصله، وإن مرض عاده حَتَّى يجره إلى مواصلته، وَكَانَ أكرم النَّاس مجالسة
-[494]-
أَخْبَرَنَا الخلال، قَالَ: أَخْبَرَنَا الحريري، أَنَّ النخعي، حدثهم قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بن عَمَّار بن أَبِي مالك الجنبي، عن أَبِيهِ، عن الحَسَن بن زياد، قَالَ: رَأَى أَبُو حنيفة عَلَى بعض جلسائه ثيابا رثة، فأمره فجلس حَتَّى تفرق النَّاس وبقي وحده، فَقَالَ لَهُ: ارفع المصلى وخذ ما تحته، فرفع الرجل المصلى فَكَانَ تحته ألف درهم، فَقَالَ لَهُ: خذ هذه الدراهم فغير بها من حالك، فَقَالَ الرجل: إني موسر، وَأَنَا في نعمة ولست أحتاج إليها، فَقَالَ لَهُ: أَمَّا بلغك الحديث " إِنَّ الله يحب بأن يرى أثر نعمته عَلَى عبده "؟ فينبغي لك أن تغير حالك حَتَّى لا يغتم بك صديقك
وَقَالَ النخعي: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عَليّ عَفَّان، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بن يُوسُف الشنبزي، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا يُوسُف، يَقُولُ: كَانَ أَبُو حنيفة لا يكاد يسأل حاجة إِلا قضاها، فجاءه رجل، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ لفلان عَليّ خمس مائة درهم وَأَنَا مضيق، فسله أن يصبر عني ويؤخرني بها، فكلم أَبُو حنيفة صاحب المال، فَقَالَ صاحب المال: هِيَ لَهُ قد أبرأته منها، فَقَالَ الَّذِي عَلَيْهِ الحق لا حاجة لي فيها، فَقَالَ أَبُو حنيفة: لَيْسَ الحاجة لك، وإنما الحاجة لي قضيت.
وَقَالَ النخعي: حَدَّثَنَا عَبْد الله بن أَحْمَد بن البهلول الكُوفِيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِم بن مُحَمَّد البَجَلِيّ، عن إِسْمَاعِيل بن حَمَّاد بن أَبِي حنيفة، أَنَّ أَبَا حنيفة حين حذق حَمَّاد ابنه، وَهب للمعلم خمس مائة درهم.
وَقَالَ النخعي: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق البكائي، قَالَ: سَمِعْتُ جَعْفَر بن عون العمري، يَقُولُ: أَتَتِ امْرَأَة أَبَا حنيفة تطلب منه ثوب خز، فأخرج لها -[495]- ثوبا، فَقَالَتْ لَهُ: إني مرأة ضعيفة، وإنها أمانة، فبعني هَذَا الثوب بما يقوم عليك، فَقَالَ: خذيه بأربعة دراهم، فَقَالَتْ لا تسخر بي وَأَنَا عجوز كبيرة، فَقَالَ: إني اشتريت ثوبين، فبعت أحدهما برأس المال إِلا أربعة دراهم، فبقي هَذَا الثوب عَليّ بأربعة دراهم أجاز لي مُحَمَّد بن أسد الكاتب، أَنَّ جعفرا الخلدي، حدثهم، ثُمّ أَخْبَرَنِي الأَزْهَرِيّ قراءة، قَالَ: حَدَّثَنَا الحَسَن بن عُثْمَان، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَر الخلدي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بن مُحَمَّد الطُّوسِيّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيد الكِنْدِيّ عَبْد الله بن سَعِيد، قَالَ: حَدَّثَنَا شيخ سماه أَبُو سَعِيد الكِنْدِيّ، قَالَ: كَانَ أَبُو حنيفة يبيع الخز، فجاءه رجل، فَقَالَ: يا أَبَا حنيفة، قد احتجت إلى ثوب خز، فَقَالَ: ما لونه؟ فَقَالَ: كذا وكذا، فَقَالَ لَهُ: اصبر حَتَّى يقع وآخذه لك إن شاء الله، قَالَ: فما دارت الجُمُعة حَتَّى وقع، فمر بِهِ الرجل، فَقَالَ لَهُ أَبُو حنيفة: قد وقعت حاجتك، قَالَ: فأخرج إِلَيْهِ الثوب، فأعجبه، فَقَالَ: يا أَبَا حنيفة، كم أزن للغلام؟ قَالَ: درهما، قَالَ: يا أَبَا حنيفة، ما كُنْت أظنك تهزأ؟ قَالَ: ما هزأت، إني اشتريت ثوبين بعشرين دينارا ودرهم، وإني بعت أحدهما بعشرين دينارا، وبقي هَذَا بدرهم، وما كُنْت لأربح عَلَى صديق.
أَخْبَرَنَا الحُسَيْن بن عَليّ الحنيفي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَليّ بن الحَسَن الرَّازِيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن الحُسَيْن الزَّعْفَرَانِيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بن زهير، قَالَ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمَان بن أَبِي شيخ، قَالَ: قَالَ مساور الوَرَّاق:
كُنَّا من الدِّين قبل اليوم في سعة حَتَّى ابتلينا بأصحاب المقاييس
-[496]-
قاموا من السوق إِذْ قُلْتُ مكاسبهم فاستعملوا الرأي عند الفقر والبؤس
أَمَّا العريب فأمسوا لا عطاء لهم وفي الموالي علامات المغاليس
فلقيه أَبُو حنيفة، فَقَالَ: هجوتنا نَحْنُ نرضيك، فبعث إليه بدراهم، فَقَالَ:
إِذَا ما أهل مِصْر بادهونا بداهية من الفتيا لطيفه
أتيناهم بمقياس صحيح صليب من طراز أَبِي حنيفة
إِذَا سَمِعَ الفقيه بِهِ حواه وأثبته بحبر في صحيفة
أَخْبَرَنِي عَليّ بن أَحْمَد الرَّزَّاز، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو اللَّيْث نصر بن مُحَمَّد الزاهد البُخَارِي قدم علينا، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سَهْل النَّيْسَابُوري، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد مُحَمَّد بن أَحْمَد الشعيبي، قَالَ: حَدَّثَنَا أسد بن نوح، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عباد، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِم بن غسان، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْد الله بن رجاء الغداني، قَالَ: كَانَ لأبي حنيفة جار بالكوفة إسكاف يعمل نهاره أجمع، حَتَّى إذا جنه الليل رجع إلى منزله، وقد حمل لحما فطبخه، أَوْ سمكة فيشويها، ثُمَّ لا يزال يشرب حَتَّى إِذَا دب الشراب فيه غنى بصوت، وَهُوَ يَقُولُ:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا ليوم كريهة وسداد ثغر
فلا يزال يشرب ويردد هَذَا البيت حَتَّى يأخذه النوم، وَكَانَ أَبُو حنيفة يسمع جلبته كل يوم، وَكَانَ أَبُو حنيفة يصلي الليل كله، ففقد أَبُو حنيفة -[497]- صوته، فسأل عَنْهُ، فَقِيلَ: أخذه العسس منذ ليال وَهُوَ محبوس، فصلة أَبُو حنيفة صلاة الفجر من غد، وركب بغلته، واستأذن عَلَى الأمير قَالَ الأمير: ائذنوا لَهُ، وأقبلوا بِهِ راكبا ولا تدعوه ينزل حَتَّى يطأ البساط، ففعل، فلم يزل الأمير يوسع لَهُ من مجلسه، وَقَالَ: ما حاجتك؟ قَالَ: لي جار إسكاف أخذه العسس منذ ليال، يأمر الأمير بتخليته، فَقَالَ: نعم، وكل من أخذ في تِلْكَ الليلة إلى يومنا هَذَا، فأمر بتخليتهم أجميعن، فركب أَبُو حنيفة والإسكاف يمشي وراءه، فَلَمَّا نزل أَبُو حنيفة مضى إِلَيْهِ، فَقَالَ: يا فتى، أضعناك؟ فَقَالَ لا، بل حفظت ورعيت، جزاك الله خيرا عن حرمة الجوار ورعاية الحق، وتاب الرجل ولم يعد إلى ما كان.
ما ذكر من وفور عقل أبي حنيفة وفطنته وتلطفه
أَخْبَرَنِي أَبُو بِشْر الوكيل، وَأَبُو الفَتْح الضَّبِّيّ، قَالا: حَدَّثَنَا عُمَر بن أَحْمَد الواعظ، قَالَ: حَدَّثَنَا مكرم بن أَحْمَد، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بن عطية، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى الحماني، قَالَ: سَمِعْتُ ابن المبارك، يَقُولُ: قُلْتُ لسفيان الثوري: يا أَبَا عَبْد الله، ما أبعد أَبَا حنيفة من الغيبة، ما سَمِعْتُهُ يغتاب عدوا لَهُ قط، قَالَ: هُوَ والله أعقل من أن يسلط عَلَى حسناته ما يذهب بها.
أَخْبَرَنَا أَبُو الوليد الحَسَن بن مُحَمَّد الدَّرْبَنْدِيّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن أَحْمَد بن مُحَمَّد بن سلميان الحَافِظ ببُخَارَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حفص أَحْمَد بن أحيد بن حَمْدَان، قَالَ: حَدَّثَنَا عَليّ بن موسى القمي، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّد بن شجاع، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَليّ بن عاصم، يَقُولُ: لو وزن عقل أَبِي حنيفة بعقل نصف أهل الأرض لرجح بهم.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن أَحْمَد بن يَعْقُوب، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن نُعَيْم الضَّبِّيّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا العَبَّاس أَحْمَد بن هَارُون الفقيه، يَقُولُ: حَدَّثَنِي مُحَمَّد -[498]- ابن إِبْرَاهِيم السَّرْخَسِيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بن الربع النهدي الكُوفِيّ، قَالَ: سَمِعْتُ همام بن مُسْلِم، يَقُولُ: سَمِعْتُ خارجة بن مُصْعَب، وذكر أَبُو حنيفة عنده، فَقَالَ: لقيت ألفا من العُلَمَاء، فوجدت العاقل فيه ثلاثة أَوْ أربعة، فذكر أَبَا حنيفة في الثلاثة أَوِ الأربعة قَالَ خارجة بن مُصْعَب: من لا يرى المسح عَلَى الخفين، أَوْ يقع في أَبِي حنيفة، فَهُوَ ناقص العقل أَخْبَرَنَا الخلال، قَالَ: أَخْبَرَنَا الحريري، أَنَّ النخعي، حدثهم قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عَليّ بن عَفَّان، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عَبْد الملك الدقيقي، قَالَ: سَمِعْتُ يزيد بن هَارُون، يَقُولُ: أدركت النَّاس فما رَأَيْت أحدا أعقل، ولا أفضل، ولا أورع من أَبِي حنيفة وَقَالَ النخعي: حَدَّثَنَا أَبُو قلابة، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّد بن عَبْد الله الأَنْصَارِيّ، قَالَ: كَانَ أَبُو حنيفة يتبين عقله في منطقه، ومشيته، ومدخله، ومخرجه أَخْبَرَنَا عَليّ بن الْقَاسِم الشاهد بالبصرة، قَالَ: حَدَّثَنَا عَليّ بن إِسْحَاق المادرائي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بن مُحَمَّد الأهلي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عَبْد الرَّحْمَن، قَالَ: كان رجل بالكوفة، يقول عثمان بن عفان كان يهوديًا، فأتاه أَبُو حنيفة، فقال: أتيتك خاطبا، قَالَ: لمن؟ قَالَ: لابنتك، رجل شريف غني من المال، حافظ لكتاب الله، سخي، يقوم الليل في ركعة، كثير البكاء من خوف الله، قال: في دون هَذَا مقنع يا أَبَا حنيفة، قَالَ: إِلا أن فيه خصلة، قَالَ: -[499]- وما هِيَ؟ قَالَ: يهودي، قَالَ: سبحان الله، تأمرني أن أزوج ابنتي من يهودي؟ قَالَ: لا تفعل؟ قَال: لا، قَالَ: فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زوج ابنتيه من يهودي، قَالَ: أستغفر الله فإني تائب إلى الله عَزَّ وَجَلَّ
أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْم الحَافِظ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّد عَبْد الله بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن حَيَّان، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى الرَّازِيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْل بن عُثْمَان، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بن حَمَّاد بن أَبِي حنيفة، قَالَ: كَانَ لنا جار طحان رافضي، وَكَانَ له بغلان، سمى أحدهما: أَبَا بَكْر، والآخر عُمَر، فرمحه ذات ليلة أحدهما فقتله، فأخبر أَبُو حنيفة، فَقَالَ: انظروا البغل الَّذِي رمحه الَّذِي سماه عُمَر؟ فنظروا فَكَانَ كذلك
أَخْبَرَنَا الحُسَيْن بن عَليّ بن مُحَمَّد المُعَدَّل، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِم عَبْد الله بن مُحَمَّد الحلواني، قَالَ: حَدَّثَنَا مكرم بن أَحْمَد، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بن عطية، قَالَ: حَدَّثَنَا الحماني، قَالَ: حَدَّثَنَا ابن المبارك، قَالَ: رَأَيْت أَبَا حنيفة في طريق مَكَّة وشوي لَهُ فصيل سمين، فاشتهوا أن يأكلوه بخل، فلم يجدوا شيئا يصبون فيه الخل، فتحيروا، فرأيت أَبَا حنيفة وقد حفر في الرمل حفرة، وبسط عليها السفرة وسكب الخل عَلَى ذَلِكَ الموضع، فأكلوا الشواء بالخل، فقالوا لَهُ: تحسن كل شيء، قَالَ: عليكم بالشكر، فإن هَذَا شيء ألهمته لكم فضلا من الله عليكم
(4549) أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَلالُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَليُّ بْنُ عُمَرَ الْحَرِيرِيُّ، أَنَّ عَليَّ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ كَاسٍ النَّخَعِيَّ، حَدَّثَهُمْ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَليِّ بْنِ عَفَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا نَمِرُ بْنُ جِدَارٍ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، قَالَ: دَعَا الْمَنْصُورُ أَبَا حَنِيفَةَ، فَقَالَ الرَّبِيعُ حَاجِبُ الْمَنْصُورِ، وَكَانَ يُعَادِي أَبَا حَنِيفَةَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَذَا أَبُو حَنِيفَةَ يُخَالِفُ جَدَّكَ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: إِذَا حُلِفَ عَلَى الْيَمِينِ ثُمَّ -[500]- اسْتُثْنِيَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ جَازَ الاسْتِثْنَاءُ، وَقَالَ: أَبُو حَنِيفَةَ لا يَجُوزُ الاسْتِثْنَاءُ إِلا مُتَّصِلا بِالْيَمِينِ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ الرَّبِيعَ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَيْسَ لَكَ فِي رِقَابِ جُنْدِكَ بَيْعَةٌ، قَالَ: وَكَيْفَ؟ قَالَ: يَحْلِفُونَ لَكَ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ إِلَى مَنَازِلِهِمْ فَيَسْثَنُونَ، فَتَبْطُلُ أَيْمَانُهُمْ؟ قَالَ: فَضَحِكَ الْمَنْصُورُ، وَقَالَ: يَا رَبِعُ لا تَعَرَّضْ لأَبِي حَنِيفَةَ، فَلَمَّا خَرَجَ أَبُو حَنِيفَةَ، قَالَ لَهُ الرَّبِيعُ: أَرَدْتَ أَنْ تَشِيطَ بِدَمِي؟ قَالَ: لا، وَلَكِنَّكَ أَرَدْتَ أَنْ تَشِيطَ بِدَمِي فَخَلَّصْتُكَ وَخَلَّصْتُ نَفْسِي
أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْم الحَافِظ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر أَحْمَد بن مُحَمَّد بن موسى، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِد بن النضر، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْد الواحد بن غياث، يَقُولُ: كَانَ أَبُو العَبَّاس الطُّوسِيّ سيئ الرأي في أَبِي حنيفة، وَكَانَ أَبُو حنيفة يعرف ذَلِكَ، فدخل أَبُو حنيفة عَلَى أَبِي جَعْفَر أمير المؤمنين وكثر النَّاس، فَقَالَ الطُّوسِيّ: اليوم أقتل أَبَا حنيفة، فأقبل عَلَيْهِ، فَقَالَ: يا أَبَا حنيفة، إن أمير المؤمنين يدعو الرجل منا فيأمره بضرب عنق الرجل لا يدري ما هُوَ، أيسعه لأن يضرب عنقه؟ فَقَالَ: يا أَبَا العَبَّاس، أمير المؤمنين يأمر بالحق أَوْ بالباطل؟ قَالَ: بالحق، قَالَ: انفذ الحق حيث كَانَ ولا تسل عَنْهُ، ثُمّ قَالَ أَبُو حنيفة لمن قرب منه: إِنَّ هَذَا أراد أن يوثقني فربطته
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عَبْد الواحد، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن العَبَّاس، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن سَعِيد السوسي، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبَّاس بن مُحَمَّد، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بن معين، يَقُولُ: دخل الخوارج مسجد الكوفة وَأَبُو حنيفة وأصحابه جلوس، فَقَالَ أَبُو حنيفة: لا تبرحوا، فجاءوا حَتَّى وقفوا عليهم، فقالوا لهم: ما أنتم؟ فَقَالَ أَبُو حنيفة: نَحْنُ مستجيرون، فَقَالَ أمير الخوارج: دعوهم، -[501]- وأبلغوهم مأمنهم، واقرءوا عليهم القُرْآن، فقرءوا عليهم القُرْآن، وأبلغوهم مأمنهم أَخْبَرَنَا الخلال، قَالَ: أَخْبَرَنَا الحريري، أن النخعي، حدثهم قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صالح البَخْتَرِيّ بن مُحَمَّد، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوب بن شَيْبَة، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَان بن منصور، قَالَ: حَدَّثَنِي حجر بن عَبْد الجبار الحَضْرَمِيّ، قَالَ: كَانَ في مسجدنا قاص يُقَال لَهُ: زُرْعَة، فنسب مسجدنا إِلَيْهِ وَهُوَ مسجد الحضرميين، فأرادت أم أَبِي حنيفة أن تستفتني في شيء، فأفتاها أَبُو حنيفة فلم تقبل، فَقَالَتْ لا أقبل إِلا ما يَقُولُ زُرْعَة القاص، فجاء بها أبو حنيفة إلى زُرْعَة، فَقَالَ: هذه أمي تستفتيك في كذا وكذا، فَقَالَ: أنت أعلم مني وأفقه، فأفتها أنت، فقال أبو حنيفة: قد أفتيتها بكذا وكذا، فقال زُرْعَة: القول كما قَالَ أَبُو حنيفة، فرضيت وانصرفت وَقَالَ النخعي: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن محمود الصيدناني، قَالَ حَدَّثَنِي ابن شجاع، قَالَ: سَمِعْتُ الحَسَن بن زياد، يَقُولُ: حلفت أم أَبِي حنيفة بيمين فحنثت، فاستفتت أبا حنيفة فأفتاها فام ترض، وقالت: لا أرضى إِلا بما يَقُولُ زُرْعَة القاص، فجاء بها أَبُو حنيفة إلى زُرْعَة، فسألته، فقال: أفتيك ومعك فقيه الكوفة؟ فَقَالَ أَبُو حنيفة: أفتها بكذا وكذا؟ فأفتاها، فرضيت.
أَخْبَرَنِي أَبُو بِشْر مُحَمَّد بن عُمَر الوكيل، وَأَبُو الفَتْح عَبْد الكريم بن مُحَمَّد الضَّبِّيّ؛ قالا: حَدَّثَنَا عُمَر بن أَحْمَد الواعظ، قَالَ: حَدَّثَنَا مكرم بن أَحْمَد، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بن عطية، قَالَ: حَدَّثَنَا الحماني، قَالَ: سَمِعْتُ ابن المبارك، يَقُولُ: رَأَيْت الحَسَن بن عمارة آخذا بركاب أبي حنيفة، وَهُوَ يَقُولُ: والله ما أدركنا أحدا تكلم في الفقه أبلغ ولا أصبر ولا أحضر جوابا منك، وَإِنَّك لسيد،
نام کتاب : تاريخ بغداد - ت بشار نویسنده : الخطيب البغدادي جلد : 15 صفحه : 487