responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تاريخ بغداد - ت بشار نویسنده : الخطيب البغدادي    جلد : 11  صفحه : 430
حرف الهاء

5283 - عبد اللَّه أمير المؤمنين المأمون بن هارون الرشيد بن مُحَمَّد المهدي بن عبد اللَّه المنصور بن مُحَمَّد بن علي بن عبد اللَّه بن العباس بن عبد المطلب، يُكنى أبا العباس، وقيل: أبا جعفر
دعي له بالخلافة بِخراسان في حياة أخيه الأمين، ثم قدم بغداد بعد قتله.
وكان مولد المأمون على ما أَخْبَرَنَا علي بن أَحْمَد بن عمر المقرئ، قَالَ: أخبرنا علي بن أَحْمَد بن أبي قيس الرفاء، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي الدنيا، قَالَ: حَدَّثَنَا عباس، يعني ابن هشام، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ولد المأمون ليلة ملك هارون في شهر ربيع الأول سنة سبعين ومائة.
أَخْبَرَنَا ابن الفضل، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد اللَّه بن جعفر، قَالَ: حَدَّثَنَا يعقوب بن سفيان، قَالَ: سنة سبعين ومائة فيها ولد المأمون ليلة الجمعة للنصف من شهر ربيع الأول، ليلة مات موسى.
أَخْبَرَنَا أبو تغلب عبد الوهاب بن علي بن الحسن المؤدب، قَالَ: حَدَّثَنَا المعافى بن زكريا، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بن القاسم الكوكبي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن موسى الخراساني، قَالَ: أَخْبَرَنَا الزبير بن بكار، قَالَ: أخبرتني ميمونة كاتبة إِبْرَاهِيم بن المهدي، قَالت: سمعت إبراهيم، يَقُول: مات خليفة، وولي خليفة، وولد خليفة، في ليلة واحدة، مات موسى، وولي الرشيد، وولد المأمون في ليلة واحدة.
حَدَّثَنَا عبد العزيز بن علي الوراق، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن أَحْمَد المفيد، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو بشر مُحَمَّد بن أَحْمَد بن حماد الدولابي، قَالَ: أَخْبَرَنِي علي بن الْحَسَن بن علي بن الجعد، قَالَ: حَدَّثَنِي حاتم بن أبي حاتم الجوهري، قَالَ: حَدَّثَنَا علي بن الجعد، قَالَ: لَما قتل مُحَمَّد بن زبيدة، أفضت الخلافة إلى المأمون عبد اللَّه بن هارون، وهو يومئذ بِخراسان بِمرو، وكان مولده سنة سبعين ومائة، للنصف من ربيع الأول.
قَالَ أبو بشر وسمعت ابن الأزهر الكاتب، يَقُول: استخلف المأمون يوم الأحد لِخمس بقين من المحرم سنة ثَمان وتسعين ومائة، وهو ابن سبع وعشرين سنة، وعشرة أشهر، وعشرة أيام، وبويع له وهو بخراسان.
أَخْبَرَنَا الْحَسَن بن أبي بكر، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عبد اللَّه الشافعي، قَالَ: حَدَّثَنَا عمر بن حفص السدوسي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن يزيد، قَالَ: واستخلف عبد اللَّه بن هارون المأمون في المحرم سنة ثَمان وتسعين ومائة، وكنيته أبو العباس، وقد سلم عليه بالخلافة قبل ذلك ببلاد خراسان نحو سنتين، وَخَلَعَ أَهْلُ خُرَاسَانَ وَغَيْرُهُمْ مُحَمَّدَ بْنَ هَارُونَ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن أَحْمَد بن رزق، قَالَ: أَخْبَرَنَا عثمان بن أَحْمَد الدقاق، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن أَحْمَد بن البراء، قَالَ: المأمون عبد اللَّه بن الرشيد وكنيته أبو جعفر، ولد بالياسرية، ثم استخلف، وبايع لعلي بن موسى بن جعفر بن مُحَمَّد بن علي بن الْحُسَيْن بن علي بن أبي طالب، وسماه الرضا، وطرح السواد وألبس الناس الخضرة، فمات علي بسرخس وقدم المأمون بغداد في سنة أربع، يعني ومائتين، في صفر، وطرح الخضرة، وعاد إلى السواد.
وأمر المأمون في آخر عمره أن يكون أبو إسحاق أخوه الخليفة من بعده.
أَخْبَرَنَا علي بن أَحْمَد بن عمر المقرئ، قَالَ: أَخْبَرَنَا علي بن أَحْمَد بن أبي قيس، قَالَ: حَدَّثَنَا ابن أبي الدنيا، قَالَ: وكان المأمون أبيض ربعة حسن الوجه، قد وخطه الشيب، تعلوه صفرة، أعين، طويل اللحية رقيقها، ضيق الجبين، على خده خال، يكنى أبا العباس، أمه أم ولد يقال لَها مراجل.
أَخْبَرَنَا باي بن جعفر الجيلي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن مُحَمَّد بن عمران، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنِي يَموت بن المزرع، قَالَ: حَدَّثَنِي عمرو بن بَحر الجاحظ، قَالَ: كان المأمون أبيض يعلو لونه صفرة يسيرة، وكان ساقاه من سائر جسده صفراوين حتى كأنهما طليتا بالزعفران.
أَخْبَرَنِي الأزهري، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عرفة، قَالَ: قَالَ أبو مُحَمَّد اليزيدي: كنت أؤدب المأمون وهو في حجر سعيد الجوهري، قَالَ: فأتيته يومًا وهو داخل، فوجهت إليه بعض خدمه يعلمه بِمكاني، فأبطأ علي، ثم وجهت إليه آخر فأبطأ، فقلت لسعيد: إن هذا الفتى ربما تشاغل بالبطالة وتأخر قَالَ: أجل، ومع هذا إنه إذا فارقك تَعَرَّم على خدمه، ولقوا منه أذى شديدًا، فقومه بالأدب.
فلما خرج أمرت بحمله فضربته سبع درر، قَالَ: فإنه ليدلك عينه من البكاء، إذ قيل: هذا جعفر بن يَحْيَى قد أقبل، فأخذ منديلًا فمسح عينيه من البكاء، وجمع ثيابه وقام إلى فرشة، فقعد عليها متربعًا، ثم قَالَ: ليدخل، فدخل فقمت عن المجلس، وخفت أن يشكوني إليه، فألقى منه ما أكره، قَالَ: فأقبل عليه بوجهه وحديثه، حتى أضحكه وضحك إليه، فلما هم بالحركة دعا بدابته وأمر غلمانه فسعوا بين يديه، ثم سأل عني، فجئت، فَقَالَ: خذ على ما بقي من جزئي، فقلت: أيها الأمير، أطال اللَّه بقاءك، لقد خفت أن تشكوني إلى جعفر بن يَحْيَى، ولو فعلت ذلك لتنكر لي، فَقَالَ: أتراني يا أبا مُحَمَّد، كنت أطلع الرشيد على هذه؟ فكيف بجعفر بن يَحْيَى حتى أطلعه أني أحتاج إلى أدب؟ إذًا يغفر اللَّه لك بعد ظنك ووجيب قلبك، خذ في أمرك فقد خطر ببالك ما لا تراه أبدًا، ولو عدت في كل يوم مائة مرة.
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أبو الطيب الطبري، قَالَ: أَخْبَرَنَا المعافى بن زكريا، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن القاسم الأنباري، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي، قَالَ: قَالَ منصور البرمكي: كانت لِهارون الرشيد جارية غلامية تصب على يده، وتقف عَلَى رأسه، وكان المأمون يعجب بِها وهو أمرد، فبينا هي تصب على هارون من إبريق معها والمأمون مع هارون قد قابل بوجهه وجه الجارية، إذ أشار إليها بقبلة، فزبرته بحاجبها، وأبطأت عن الصب في مهلة ما بين ذلك، فنظر إليها هارون، فَقَالَ: ما هذا؟ فتلكأت عليه، فَقَالَ: ضعي ما معك، علي كذا إن لم تخبريني لأقتلنك، فقَالت: أشار إلي عبد اللَّه بقبلة، فالتفت إليه، وإذا هو قد نزل به من الحياء والرعب ما رحمه منه، فاعتنقه وقَالَ: أتحبها؟ قَالَ: نعم يا أمير المؤمنين، فَقَالَ: قم فاخل بِها في تلك القبة.
فقام ففعل، فقَالَ له هارون قل في هذا شعرًا، فانشأ يَقُول:
ظبي كنيت بطرفي عن الضمير إليه
قبلته من بعيدٍ فاعتل من شفتيه
ورد أخبث رد بالكسر من حاجبيه
فما برحت مكاني حتى قدرت عليه
أَخْبَرَنَا أبو مُحَمَّد يَحْيَى بن الْحَسَن بن الْحَسَن بن المنذر المحتسب، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بن سعيد المعدل، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو بكر بن دريد، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَن بن خضر، قَالَ: سمعت ابن أبي داود، يَقُول: أدخل رجل من الخوارج على المأمون، فَقَالَ: ما حملك على خلافنا؟ قَالَ: آية في كتاب اللَّه تعالى.
قَالَ: وما هي؟ قَالَ: قوله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}.
فقَالَ له المأمون: ألك علم بأنها منزلة.
قَالَ: نعم، قَالَ: وما دليلك؟ قَالَ: إجماع الأمة.
قَالَ: فكما رضيت بإجماعهم في التنزيل فارض بإجماعهم في التأويل.
قَالَ: صدقت، السلام عليك يا أمير المؤمنين.
حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بن مُحَمَّد بن عمران، قَالَ: حَدَّثَنَا صالِح بن مُحَمَّد، قَالَ: حَدَّثَنِي أخي صدقة بن مُحَمَّد، قَالَ: قَالَ لي أبو مُحَمَّد عبد اللَّه بن مُحَمَّد الزهري: قَالَ المأمون: غلبة الحجة أحب إلي من غلبة القدرة، لأن غلبة القدرة تزول بزوالها، وغلبة الحجة لا يزيلها شيء.
أَخْبَرَنَا علي بن الْحُسَيْن، صاحب العباسي، قَالَ: أَخْبَرَنَا علي بن الْحَسَن الرازي، قَالَ: أخبرنا أبو علي الكوكبي، قَالَ: حَدَّثَنَا البحتري الوليد بن عبيد، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو تَمَّام حبيب بن أوس، قَالَ: قَالَ المأمون لأبي حفص عمر بن الأزرق الكرماني: أريدك للوزارة.
قَالَ: لا أصلح لَها يا أمير المؤمنين، قَالَ: ترفع نفسك عنها؟ قَالَ ومن يرفع نفسه عن الوزارة؟ ولكنني قلت هذا رافعًا لَها وواضعًا لنفسي بِها.
فَقَالَ المأمون: إنا نعرف موضع الكفاة الثقات المتقدمين من الرجال، ولكن دولتنا منكوسة، إن قومناها بالراجحين انتقصت، وإن أيدناها بالناقصين استقامت، لذلك اخترت استعمال الصواب فيك.
أَخْبَرَنَا أبو علي مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الجازري، قَالَ: حَدَّثَنَا المعافى بن زكريا، إملاء، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن يَحْيَى الصولي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن زكريا الغلابي، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو سهل الرازي، قَالَ: لَما دخل المأمون بغداد تلقاه أهلها، فقَالَ له رجل من الموالي: يا أمير المؤمنين بارك اللَّه لك في مقدمك، وزاد في نعمك، وشكرك عن رعيتك، فقد فقت من قبلك وأتعبت من بعدك، وآيست أن يعتاض منك، لأنه لم يكن مثلك، ولا علم شبهك.
أما فيمن مضى فلا يعرفونه، وأما فيمن بقي فلا يرتجونه فهم بين دعاء لك، وثناء عليك وتمسك بك، أخصب لهم جنابك، واحْلَوْلَى لَهم ثوابك، وكرمت مقدرتك، وحسنت أثرتك، ولانت نظرتك، فجبرت الفقير، وفككت الأسير، وأنت كما قَالَ الشاعر:
ما زلت في البذل للنوال وإطلاق لعان بجرمه علق
حتى تمنى البراء أنهم عندك أمسوا في القد والحلق
فقَالَ المأمون: مثلك يعيب من لا يصطنعه، ويعر من يجهل قدره فاعذرني في سالفك، فإنك ستجدنا في مستأنفك.
(3375) -[11: 436] أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ الْحَسَنُ بْنُ عُثْمَانَ الْوَاعِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْحَكَمِ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْكِسَائِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْفَضْلِ النَّهْرَوَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ، قَالَ: بِتُّ لَيْلَةً عِنْدَ الْمَأْمُونِ فَعَطِشْتُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، فَقُمْتُ لأَشْرَبَ مَاءً، فَرَآنِي الْمَأْمُونُ، فَقَالَ: مَا لَكَ لَيْسَ تَنَامُ يا يَحْيَى؟ قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَا وَاللَّهِ عَطْشَانُ.
قَالَ: ارْجِعْ إِلَى مَوْضِعَكَ، فَقَامَ وَاللَّهِ إِلَى الْبَرَّادَةِ فَجَاءَنِي بِكُوزِ مَاءٍ، وَقَامَ عَلَى رَأْسِي فَقَالَ: اشْرَبْ يَا يَحْيَى، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَهَلا وَصِيفٌ أَوْ وَصِيفَةٌ يُغْنِي.
فَقَالَ: إِنَّهُمْ نِيَامٌ، قُلْتُ: فَأَنَا كُنْتُ أَقُومُ لِلشُّرْبِ، فَقَالَ لي: لُؤْمٌ بِالرَّجُلِ 25 أَنْ يَسْتَخْدِمَ ضَيْفَهُ.
ثُمَّ قَالَ: يَا يَحْيَى، فَقُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ 25: أَلا أُحَدِّثُكَ، قُلْتُ: بَلَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.
قَالَ: حَدَّثَنِي الرَّشِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْمَهْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْمَنْصُورُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " سَيِّدُ الْقَوْمِ خَادِمُهُمْ " أَخْبَرَنَا الْحَسَن بن علي الجوهري، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عمران المرزباني، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بن مُحَمَّد بن عيسى المكي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن القاسم بن خلاد، عن يَحْيَى بن أكثم، قَالَ: ما رأيت أكرم من المأمون بت عنده ليلة فعطش وقد نمنا، فكره أن يصيح بالغلمان فأنتبه، وكنت منتبهًا، فرأيته وقد قام يمشي قليلًا قليلًا إلى البرادة، وبينه وبينها بعد، حتى شرب ورجع.
قَالَ يَحْيَى: ثم بت عنده ونحن بالشام وما معي أحد فلم يحملني النوم، فأخذ المأمون سعال، فرأيته يسد فاه بكم قميصه كي لا أنتبه، ثم حملني آخر الليل النوم، وكان له وقت يقوم فيه يستاك، فكره أن ينبهني، فلما ضاق الوقت عليه تحركت، فَقَالَ: اللَّه أكبر، يا غلمان، نعل أبي مُحَمَّد.
قَالَ يَحْيَى بن أكثم: وكنت أمشي يومًا مع المأمون في بستان موسى في ميدان البستان، والشمس علي وهو في الظل، فلما رجعنا، قَالَ لي: كن الآن أنت في الظل، فأبيت عليه، فَقَالَ: أول العدل أن يعدل الملك في بطانته، ثم الذين يلونهم، حتى يبلغ إلى الطبقة السفلى.
أَخْبَرَنِي الْحَسَن بن مُحَمَّد الخلال، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن مُحَمَّد بن عمران، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن الْحَسَن بن مُحَمَّد الموصلي، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد اللَّه بن محمود الْمَرْوَزِيّ، قَالَ: سمعت يَحْيَى بن أكثم الْقَاضِي، يَقُول: ما رأيت أكمل آلة من المأمون، وجعل يحدث بأشياء استحسنها من كان في مجلسه، ثم قَالَ: كنت عنده، يعني ليلة، أذاكره وأحدثه، ثم نام وأنتبه، فَقَالَ: يا يَحْيَى انظر أيش عند رجلي، فنظرت فلم أر شيئًا، فقَالَ: شمعة، فتبادر الفراشون، فقَالَ: انظروا، فنظروا فإذا تحت فراشه حية بطوله فقتلوها، فقلت: قد انضاف إلى كمال أمير المؤمنين علم الغيب، فقَالَ: معاذ اللَّه، ولكن هتف بي هاتف الساعة وأنا نائم، فَقَالَ:
يا راقد الليل انتبه إن الخطوب لها سرى
ثقة الفتى بزمانه ثقة محللة العرى
قَالَ: فانتبهت فعلمت أن قد حدث أمر إما قريب، وإما بعيد، فتأملت ما قرب فكان ما رأيت.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن علي المقرئ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عبد اللَّه النيسابوري الحافظ، قَالَ: سمعت أبا بكر مُحَمَّد بن داود بن سليمان الزاهد، يَقُول: سمعت مُحَمَّد بن عبد الرحمن السامي، يَقُول: سمعت أبا الصلت عبد السلام بن صالح، يَقُول: حبسني الخليفة المأمون ليلة، فكنا نتحدث حتى ذهب من الليل ما ذهب وطفئ السراج، ونام القيم الذي كان يصلح السراج، فدعاه فلم يجبه، وكان نائمًا، فقلت: يا أمير المؤمنين أصلحه؟ فَقَالَ لا فأصلحه هو، ثم انتبه الخادم فظننت أنه يعاقبه لأنه كان يناديه وهو نائم فلا يجبه، قَالَ: فتعجبت أنا فسمعته يَقُول: ربما أكون في المتوضأ فيشتموني، وأظنه قَالَ: ويفترون علي، ولا يدرون أني أسمع، فأعفو عنهم.
أَخْبَرَنَا الجوهري، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن العباس، قَالَ: حَدَّثَنَا الصولي، قَالَ: حَدَّثَنَا عون بن مُحَمَّد، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد اللَّه ابن البواب، قَالَ: كان المأمون يحلم حتى يغيظنا في بعض الأوقات، جلس يستاك على دجلة من بغداد من وراء ستره ونحن قيام بين يديه، فمر ملاح وهو يَقُول بأعلى صوته: أتظنون أن هذا المأمون ينبل في عيني وقد قتل أخاه؟! قَالَ: فواللَّه ما زاد على أن تبسم، وقَالَ لنا: ما الحيلة عندكم حتى أنبل في عين هذا الرجل الجليل.
أَخْبَرَنِي الأزهري، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن جامع، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو عمر الزاهد، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن يزيد المبرد، قَالَ: حَدَّثَنِي عمارة بن عقيل، قَالَ: قَالَ ابن أبي حفصة الشاعر: أعلمت أن المأمون أمير المؤمنين لا يبصر الشعر؟ فقلت: من ذا يكون أفرس منه واللَّه إنا لننشد أول البيت فيسبق إلى آخره من غير أن يكون سمعه، قَالَ: إني أنشدته بيتًا أجدت فيه فلم أره تَحرك له، وهذا هو البيت فاسمعه:
أضحى إمام الهدى المأمون مشتغلا بالدين والناس بالدنيا مشاغيل
فقلت: ما زدت على أن جعلته عجوزًا في محرابها في يدها سبحة، فمن يقوم بأمر الدنيا إذا كان مشغولًا عنها، وهو المطوق لَها؟ ألا قلت كما قَالَ عمك جرير لعبد العزيز بن الوليد:
فلا هو في الدنيا مضيع نصيبه ولا عرض الدنيا عن الدين شاغله
أَخْبَرَنَا علي بن أبي علي المعدل، قَالَ: حدثنا أبو بكر مُحَمَّد بن عبد الرحيم المازني، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بن القاسم الكوكبي، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو الفضل الربعي، قَالَ: لَمَّا ولد جعفر بن المأمون، المعروف بابن بَخّة، دخل المهنئون على المأمون فهنئوه بصنوف من التهاني، وكان فيمن دخل العباس بن الأحنف.
فمثل قائمًا بين يديه، ثم أنشأ يَقُول:
مد لك اللَّه الحياة مدًا حتى يريك ابنك هذا جدا
ثم يفدى مثل ما تفدى كأنه أنت إذا تبدا
أشبه منك قامة وقدا مؤزرًا بِمجده مردى
فأمر له المأمون بعشرة آلاف درهم.
أَخْبَرَنِي الأزهري، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم ابن مُحَمَّد بن عرفة، قَالَ: حكي عن أبي عباد أنه ذكر المأمون يومًا، فَقَالَ: كان واللَّه أحد ملوك الأرض، وكان يَجب له هذا الاسم على الحقيقة.
أَخْبَرَنِي الخلال، قَالَ: حَدَّثَنَا عبيد اللَّه بن أَحْمَد بن يعقوب المقرئ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن عبد اللَّه الوكيل، قَالَ: حَدَّثَنَا القاسم بن مُحَمَّد بن عباد، قَالَ: سمعت أبي، يَقُول: لم يحفظ القرآن أحد من الخلفاء إلا عثمان بن عفان، والمأمون.
أَخْبَرَنَا أبو الفرج أَحْمَد بن عمر بن عثمان الغضاري، قَالَ: أَخْبَرَنَا جعفر بن مُحَمَّد بن نصير الخلدي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بن مُحَمَّد بن مسروق، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَن بن أبي سعيد، قَالَ: أَخْبَرَنَا ذو الرياستين في شوال سنة ثنتين ومائتين، أن المأمون ختم في شهر رمضان ثلاثًا وثلاثين ختمة، أما سمعتم في صوته بحوحة؟ إن مُحَمَّد بن أبي مُحَمَّد اليزيدي في أذنه صمم، فكان يرفع صوته ليسمع، وكان يأخذ عليه.
أَخْبَرَنِي الخلال، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بن مُحَمَّد بن عمران، قَالَ: أخبرني مُحَمَّد بن يَحْيَى النديم، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو العيناء، قَالَ: كان المأمون، يَقُول: كان معاوية بعَمْرِهِ، وعبد الملك بحَجَّاجِهِ، وأنا بنفسي.
أَخْبَرَنِي الْحُسَيْن بن علي الصيمري، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عمران المرزباني، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو العيناء، قَالَ: سمعت أَحْمَد بن أبي داود، يَقُول: كان يعجبني قول المأمون، إذا رفع الطعام من بين يديه: الحمد لله الذي جعل أرزاقنا أكثر من أقواتنا، وقوله عند شرب الماء البارد: شرب الماء بالثلج أدعى إلى إخلاص الحمد.
أَخْبَرَنِي الخلال، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ القَوَّاسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو العباس مُحَمَّد بن العباس بن خزام ابن حاجب المقتدر، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو عيسى الهاشمي، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي، قَالَ: كنت بحضرة المأمون فأحضر رجلًا فأمر بضرب عنقه، وكان الرجل من ذوي العقول، فَقَالَ ليَحْيَى بن أكثم: إن أمير المؤمنين قد أمر بضرب عنقي، وإن دمي عليه حرام، فهل لي في حاجة أسأله إياها، لا تضر بدينه ولا مروءته، فإذا فعل ذلك فهو في حل من دمي؟ فأظهر المأمون تحرجًا، فقَالَ ليَحْيَى بن أكثم: سله عنها، فقَالَ الرجل: يضع يده في يدي إلى الموضع الذي يضرب فيه عنقي، فإذا فعل ذلك فهو في حل من دمي.
فقام المأمون من مجلسه وضرب بيده إلى يد الرجل، فلم يزل يخبره وينشده ويحدثه، حتى كأنه بعض من آنس به، فلما أن رأى السياف والسيف والموضع الذي يكون فيه مثل هذه الحال، انعطف فقال لأمير المؤمنين المأمون بحق هذه الصحبة والمحادثة لما عفوت.
فعفا عنه، وأجزل له الجائزة.
أَخْبَرَنَا الحسن بن الحسين النعالي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن نصر الذارع، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو مُحَمَّد إِبْرَاهِيم بن إدريس المؤدب، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بن سعيد الجوهري، قَالَ: وقف رجل بين يدي المأمون قد جنى جناية، فقَالَ له: واللَّه لأقتلنك.
فقَالَ الرجل: يا أمير المؤمنين تأن علي، فإن الرفق نصف العفو.
قَالَ: فكيف وقد حلفت لأقتلنك؟ قَالَ: يا أمير المؤمنين لأن تلقى اللَّه حانثًا، خير لك من أن تلقاه قاتلًا.
قَالَ: فخلى سبيله.
أَخْبَرَنَا باي بن جعفر الجيلي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن مُحَمَّد بن عمران، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنِي يعقوب بن بيان الكاتب، قَالَ: سمعت علي بن الْحُسَيْن بن عبد الأعلى الإسكافي، يَقُول: عاش المأمون ثمانيًا وأربعين سنة، وعاش المعتصم مثلها، وطاهر مثلها، وعبيد اللَّه بن طاهر، مثلها وعاش المتوكل ثلاثًا وأربعين سنة، وعاش الفتح مثلها.
أَخْبَرَنَا علي بن أَحْمَد بن عمر المقرئ، قَالَ: أَخْبَرَنَا علي بن أَحْمَد بن أبي قيس، قَالَ: حَدَّثَنَا ابن أبي الدنيا، قَالَ: ومات المأمون ليلة الخميس لعشر خلون من رجب بالبذندون، وهو متوجه يريد الغزو، فحمل إلى طرسوس، فدفن بها في دار خاقان الخادم، وصلى عليه أخوه المعتصم.
أَخْبَرَنَا الْحَسَن بن أبي بكر، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عبد اللَّه الشافعي، قَالَ: حَدَّثَنَا عمر بن حفص السدوسي، قَالَ: حدثنا مُحَمَّد بن يزيد، قَالَ: كانت خلافة المأمون من قتل مُحَمَّد بن هارون عشرين سنة ونحو أربعة أشهر، وتوفي في ناحية طرسوس في رجب سنة ثمان عشرة، وتوفي وله ثمان وأربعون سنة، وأمه مراجل الباذغيسية، أم ولد، وصلى عليه المعتصم.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن أَحْمَد بن رزق، قَالَ: أَخْبَرَنَا عثمان بن أَحْمَد، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن أَحْمَد بن البراء، قَالَ: ومات المأمون بالبذندون من أرض الروم لثلاث عشرة بقيت من رجب سنة ثَمان عشرة ومائتين، وحمل إلى طرسوس.
قَالَ أَبُو سعيد المخزومي:
ما رأيت النجوم أغنت عن المأمون ولا عن ملكه المأسوس
خلفوه بعرصتي طرسوس مثل ما خلفوا أباه بطوس
قَالَ: وكان عمره سبعًا وأربعين سنة، وخلافته من قتل مُحَمَّد عشرون سنة، وخمسة أشهر، واثنان وعشرون يومًا.

نام کتاب : تاريخ بغداد - ت بشار نویسنده : الخطيب البغدادي    جلد : 11  صفحه : 430
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست