فَأَسْلَمَ [1]- وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يُحَقِّرُ أَحَدًا يَدْعُوهُ إِلَى الإِسْلامِ- فقال الأسود: كنت أجيرا لصاحب هَذِه الْغَنَمِ، وَهِيَ أَمَانَةٌ عِنْدِي، فَكَيْفَ أَصْنَعُ بِهَا؟ فقال رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم:
اضرب وُجُوهِهَا، فَإِنَّهَا سَتَرْجِعُ إِلَى رَبِّهَا. فَقَامَ الأَسْوَدُ فَأَخَذَ حِفْنَةً مِنَ التُّرَابِ، فَرَمَى بِهَا فِي وجوهها، وقال: ارجعي إلى صاحبك، فو الله لا أَصْحَبُكِ. فَرَجَعَتْ مُجَتْمِعَةً كَأَنَّ سَائِقًا يَسُوقُهَا، حَتَّى دَخَلَتِ الْحِصْنَ. ثُمَّ تَقَدَّمَ الأَسْوَدُ إِلَى ذَلِكَ الْحِصْنِ لِيُقَاتِلَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَصَابَهُ حَجَرٌ فَقَتَلَهُ، وَمَا صَلَّى صَلاةً قَطُّ، فَأُتِيَ بِهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوضع خلفه، وسجى بشملة كانت عَلَيْهِ، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من أصحابه، ثُمَّ أعرض رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم إِعْرَاضًا سَرِيعًا فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعَرَضْتَ عَنْهُ؟! فقال: إن معه لزوجتين من الحور الْعَين [2] . أخرجه أَبُو نعيم وَأَبُو عُمَر، إلا أن أبا نعيم ذكر فِي هَذِه الترجمة أَنَّهُ كَانَ عبدا لعامر اليهودي، وأنه أسلم بخيبر، وروى لَهُ بعد هَذَا حديثا رواه ثابت البناني، عن أبي هريرة قَالَ: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، إذ دخل حبشي مجدع [3] عَلَى رأسه جرة- غلام للمغيرة بن شعبة- فقال النَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وسلم: مرحبا بيسار. ثُمَّ ذكر حديثا. وأما ابن منده فلم يذكر إلا غلام المغيرة، وذكر فِي ترجمته هَذَا الحديث، ونذكره فِي ترجمته إن شاء الله تعالى، والكلام عليه. 5620- يسار الخفاف
(س) يسار الخفاف.
روى سلمة بن شبيب، عن حَفْص بن عبد الرحمن الهلالي، عن أبيه قال: خرج رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ذات ليلة يعسّ [4] بالمدينة فانتهى إلى دار قد حفت بِهَا الملائكة، فدخل الدار فإذا النور ساطع إلى السماء، وَإِذَا رجل يصلي فخفف الصلاة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أنت؟ قَالَ:
مولى بني فلان، قَالَ: ما اسمك؟ قَالَ: يسار. قَالَ: ما صنعتك؟ قَالَ: خفاف [5] . فلما أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا مواليه فقال: تبيعوني الغلام يسارا؟ قالوا: ما تصنع بِهِ؟ فقال: أعتقه. [1] في المطبوعة والمصورة: «فعرض عليه، فقال الأسود فأسلم» . وهذه الزيادة، وهي: «فقال الأسود» غير ثابتة في سيرة ابن هشام، والسياق يقتضي حذفها. [2] سيرة ابن هشام: 2/ 344- 345. [3] أي: مقطع الأعضاء. [4] أي: يتعرف أحوالها بالليل. [5] يبدو- والله أعلم- أنه كان يصنع الخفاف، جمع خف، وهو ما يلبس في القدمين.