وقيل: إن هَذَا البيت لغيره، وَقَدْ ذكرناه. وقيل: بل قَالَ:
وكل امرئ يومًا سيعلم سعيه ... إِذَا كشفت عند الإله المحاصد
وقَالَ أكثر أهل الأخبار: لم يقل شعرًا منذ أسلم.
وكان شريفًا فِي الجاهلية والإسلام، وكان قَدْ نذر أن لا تهب الصبا [1] إلا نحر وأطعم. ثُمَّ إنه نزل الكوفة، وكان المغيرة بْن شُعْبَة إِذَا هبت الصبا يَقُولُ: أعينوا أبا عقيل عَلَى مروءته: قيل:
هبت الصبا يومًا، وهو بالكوفة، ولبيد مقتر مملق، فعلم بذلك الْوَلِيد بْن عقبة بْن أَبِي معيط وكان أميرًا عليها، فخطب النَّاس وقَالَ: إنكم قَدْ عرفتم نذر أَبِي عقيل، وما وكد عَلَى نفسه، فأعينوا أخاكم. ثُمَّ نزل، فبعث إِلَيْه بمائة ناقة، وبعث النَّاس إِلَيْه فقضى نذره، وكتب إِلَيْه الْوَلِيد:
أرى الجزار يشحذ شفرتيه ... إِذَا هبت رياح أَبِي عقيل
أغر الوجه أبيض عامري ... طويل الباع كالسيف الصقيل
وفي ابْن الجعفري بحلفتيه ... عَلَى العلات [2] والمال القليل
بنحر الكوم إذ سحبت عَلَيْه ... ذيول صبًا تجاوب بالأصيل [3]
فلما أتاه الشعر قال لابنته: أجيبيه، فقد رأيتينى وما أعيا بجواب شاعر. فقالت:
إِذَا هبت رياح أَبِي عقيل ... دعونا عند هبتها الوليدا
أشم الأنف أصيد عبشميًا ... أعان عَلَى مروءته لبيدا [4]
بأمثال الهضاب كأن ركبًا ... عليها من بني حام قعودًا
أبا وهب جزاك اللَّه خيرًا ... نحرناها وأطعمنا الثريدا
فعد إن الكريم له معاد ... وظنّى يا ابن أروى أن تعودا
ثُمَّ عرضت الشعر عَلَى أبيها، فَقَالَ: قَدْ أحسنت، لولا إنك استزدتيه! فقالت: والله ما استزدته إلا أَنَّهُ ملك، ولو كان سوقة لم أفعل. [5] [1] الصبا: ريح تهب من مطلع الشمس إذا استوى الليل والنهار. [2] على العلات: على كل حال، في عسره ويسره.
[3] الكوم: جمع أكوم أو كوماء، والأكوم: البعير الضخم السنام. تجاوب: تتجاوب.
[4] عبشمى: أي من بنى عبد شمس بن عبد مناف.
[5] ينظر الخبر والأبيات في الشعر والشعراء: 1/ 276، 277، والكامل للمبرد: 2/ 781- 783، والاستيعاب:
3/ 1335، 1336.