ونسجل هنا ملاحظتين على قدر كبير من الأهمية فيما يتعلق بتأسيس "القيروان":
أولاهما: لقد أنشأ عقبة للمسلمين قاعدة يحكم فيها البلاد التي يفتحها وتصدر منها الغزوات. ومعنى هذا أنه -بعمله هذا- قد جعل "إفريقية" ولاية إسلامية جديدة، لأنه ما دام قد أنشأ بها مسجدا ودارا للإمارة فقد أصبحت المنطقة كلها جزءا من الدولة الإسلامية، ولا يجوز بعد ذلك للمسلمين أن يتخلوا عنها، وبالفعل كان من الممكن -قبل ذلك- أن ينسحبوا من "إفريقية" إلى "برقة" أو إلى مصر كما كانوا يفعلون. أما الآن فلا بد لهم أن يثبتوا في هذه الناحية، وإن فقدوها -لسبب ما- فيجب عليهم أن يستعدوها مرة أخرى، لأنها جزء من الديار الإسلامية[1].
وثانيتهما: وكما أفادت هذه المدينة حركة الفتوح كبرى من الناحية العسكرية فقد أفادت أيضا في العمل على نشر الإسلام والعروبة في المغرب. وهذا هو الغرض الأساسي من الفتوح، وذلك حينما سنحت الفرصة للاتصال السلمي بين البربر والعرب والمقيمين بالمدينة في الفترات التي تتوقف فيها الحروب؛ الأمر الذي ساعد على تقبل بعض البربر للدين الجديد باقتناع دون أي شبهة اضطرار. وقد زاد هذا الأمر أهمية أن الكثيرين من هؤلاء البربر الذين أسلموا أخذوا ينتظمون في جيوش المسلمين، ويسيرون معهم لإتمام فتح البلاد[2]. [1] معالم تاريخ المغرب والأندلس، لحسين مؤنس -ص"36". [2] راجع: التطور السياسي للمغرب، للدكتور طاهر راغب ص"38-39"، فجر الأندلس لحسين مؤنس ص"40".
ثانيًا: عزل عقبة وولاية أبي المهاجر ديار "55-62هـ/ 674-681م"
...
ثانيا: عزل عقبة وولاية أبي المهاجر دينار "55-62هـ/ 674-681م"
وبينما كان عقبة يتخذ الأهبة للخروج للغزو الواسع النطاق -بعد أن أتم تأسيس "نقطة الارتكاز"- إذا معاوية بن أبي سفيان "الخليفة" يفاجئه بالعزل "سنة 55هـ/ 674م". وكان من المتوقع بعد أن قام عقبة بهذا العمل المجيد أن تكافئه الدولة بأن تتركه في ولايته ليتم ما بدأه، إلا أنه -بدلا من ذلك- يتلقى أمرا بعزله عن "إفريقية"1
1الكامل "3/ 321"، البيان المغرب "1/ 21".