على ما أمكن الاستيلاء عليه من أراض أو مدن، مما كان يعطي الفرصة للروم والبربر -وبمجرد أن تنتهي المعارك، ويعود المسلمون من حيث أتوا- أن يستعدوا ما سبق لهم أن فقدوه، ولم تتحول سياسات الفتوحات الإسلامية في المغرب إلا بعد التفكير في اتخاذ قاعدة ثابتة للمسلمين في المنطقة وبناء مدينة "القيروان"[1].
وليس من شك في أن بناء المدن الإسلامية في الأمصار المفتوحة -مثل "البصرة" و"الكوفة" في العراق، و"الفسطاط" في مصر، ... إلخ- قد لعب دوره الحاسم، ليس في تثبيت أقدام المسلمين في هذه المناطق، وإنما -أيضا- في نشر الإسلام والعروبة، وإخراج أهل هذه المناطق من بقايا جاهليتها إلى عصر جديد في رحاب الأمة الإسلامية.
4- ولقد كان لاختلاف وجهات النظر بين قادة الفتح الإسلامي للمغرب -نتيجة اتساع البلاد وكثرة مشاكلها، أثر في إطالة مدة الفتح. وحيث أنه لم تكن هناك فكرة واضحة ومعرفة سابقة بأبعاد الميدان المغربي وسكانه "على عكس الحال في المناطق القريبة من الجزيرة العربية، مثل العراق والشام" فإنه لم يكن هناك خطة ثابتة ومحددة تسير عليها الفتوحات في هذا الميدان، ولعب الاجتهاد دوره الرئيسي في توجيه العمليات الحربية. فقد رأى بعض القادة أن القتال وحده هو الحل الأمثل. ورأى بعضهم ضرورة إقامة معسكرات وقواعد ثابتة للمسلمين. ولجأ آخرون إلى سياسة إقامة علاقات مع البربر. ومن ثم كان تباين وجهات النظر أحد عوامل تغيير لسياسة الحربية في المنطقة، وما يترتب على ذلك من تغيير في الوسائل وخطوات لتنفيذ[2].
5- رغبة بعض ولاة مصر في أن تكون لهم اليد الطولى والسيطرة على هذه لبلاد، والتصرف في مالها وغنائمها. وكان لذلك أثره في تعطيل الفتح، ومنع لفاتحين من إنفاذ برامجهم الجهادية، وإدراك الغايات التي سعوا إليها بعد أن بذلوا لجهد العظيم لإدراكها. ولا أدل على ذلك من موقف مسلمة بن مخلد الأنصاري الوالي على مصر في زمن الخليفة معاوية بن أبي سفيان" من عقبة بن نافع أحد كبار [1] راجع: دراسات أندلسية، للدكتور محمد عبد الحميد عيسى ص"49". [2] دراسات أندلسية ص"48".