فلما تولى سليمان بن عبد الملك الخلافة أخذ يجهز الجيوش للسير إلى "القسطنطينية" وخرجت الحملة بالفعل بقيادة مسلمة بن عبد الملك في أسطول كبير يقدر عدده ثمانية عشر ألف سفينة -وقيل: ألف وثمانمائة سفينة- ومعه مائة وعشرون ألف مقاتل، وتوجه نحو المدينة العتيقة "سنة 98هـ/ 716م" ليبدأ الحصار الثالث.
ولقد انتهى هذا الحصار -الذي استمر عامين- بالفشل في اقتحام "القسطنطينية" كما حدث في الحصار السابق له. ويرجع فشل هذا الحصار الثالث إلى العديد من الأسباب، بعضها كان عاملا هاما في فشل حصار السبع سنوات السابق، وبعضها ظهر جديدا في الحصار الأخير. فمن الأسباب المتكرره: قسوة الظروف الطبيعية "المناخ"، ومهارة المقاتلين البيزنطيين في استخدام "النار الإغريقية"، وعزم أهل المدينة واستماتهم في الدفاع عنها، يساعدهم في ذلك منعة أسوارها وموقعها[1].
أما أهم الأسباب المستجدة والتي أدت إلى فشل الحصار فهو محالفة المسلمين لأحد الروم البيزنطيين، وهو القائد العسكري "ليو الأيسوري" "الأرمني"، وكان طامعا في عرش بيزنطة، ففاوض "مسلمة بن عبد الملك" قائد الحملة على أن يعاونه فيما يريد، ويتركه يدخل "القسطنطينية"، حتى إذا نجح "ليو" في عزل الإمبراطور "ثيودوسيوس" الثالث، ونصب نفسه إمبراطورا، مهد للمسلمين دخول المدينة. وقد عاونه مسلمة وأجابه إلى طلبه، فلما تمكن "ليو" من الحكم نقض عهده المدينة، وانقلب عليهم، وانضم إلى إخوانه البيزنطيين، واجتهد في تحصين البلد، ونجح في صد الحملة الإسلامية عن أسوارها المنيعة[2]. وهذا يؤكد أن معاهدة المسلمين لأطراف غير إسلامية بغرض التناصر ضد طرف غير إسلامي إنما هو سلاح ذو حدين، وأن عواقب استخدامه بغير حرص وخيمة وحاسمة.
وبالرغم من أن المسلمين قد لاقوا في هذا الحصار صعوبات كثيرة، وقدموا تضحيات هائلة، وقتل منهم عدد كبير، وحطمت الريح العاتية عددا من السفن، وسببت خللا في الأسطول، وانتهز البيزنطيون هذه الفرصة وسلطوا نيرانهم اليونانية [1] الدولة الأموية دولة الفتوحات لنادية مصطفى "ص30"، الصراع بين العرب وأوروبا من ظهور الإسلام إلى انتهاء الحروب الصليبية للدكتور عبد العظيم رمضان "ص113". [2] راجع: تاريخ الطبري "6/ 530، 531"، والكامل في التاريخ لابن الأثير "4/ 304، 305"، وراجع: الحدود الإسلامية البيزنطية لفتحي عثمان "2/ 85-91".