قبرص البيزنطيين على الغزاة في البحر بسفن قدموها لهم، فغزاهم معاوية "سنة 33هـ/ 653م" في خمسمائة سفينة، وافتتح الجزيرة -في هذه المرة- عنوة، ثم أقرهم على صلحهم الأول، وارسل إليهم اثني عشر ألفا من المسلمين ليقيموا في الجزيرة، ونقل إليها جماعة أخرى من مسلمي بعلبك، فبنوا المساجد والبيوت[1].
6- وقد خاص المسلمون في أواخر العصر الراشدي موقعة بحرية هامة ضد البيزنطيين حسمت السيادة البحرية في حوض البحر المتوسط، وقلبت التفوق البيزنطي لصالح المسلمين، ونعني بها موقعة "ذات الصواري" "سنة 34هـ/ 654م". وتذكر المصادر العربية أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح "أمير مصر" خرج بأسطوله البحري من "رشيد" قاصدا أسطول الروم، وفي الوقت نفسه خرج "بسر بن أبي أرطأة" -وهو أحد قادة معاوية- بأسطوله من "صور"، وتلاقى الاثنان في البحر بالقرب من ساحل "ليكيا" "عند فونيكة" -في جنوب أنطاكية- حيث دارات المعركة هناك.
وكان الأسطول البيزنطي مكونا من خمسمائة مركب، أو سبعمائة وقيل "ألف"، في حين كان المسلمون في نحو مائتي مركب، وقد وصف أحد المسلمين المشاركين في المعركة شعوره حين تقابلت الأساطيل الإسلامية مع السفن البيزنطية قائلا: "فالتقينا في البحر، فنظرنا إلى مراكب ما رأينا مثلها قط". ويبدو أن المسلمين أدركوا أن خوض قتال بحري ضد هذه الأعداد الضخمة من السفن المدربة مخاطرة غير مأمونة، فاختروا أن يجعلوها حربا برية في البحر، فربطوا سفنهم المتقاربة في سفن الأعداء، وجعلوا من ظهورها ميدانا بريا للقتال، واشتدت المعركة، وقتل من الجانبين أعداد هائلة، واختلطت دماء القتلى بمياه البحر، فصبغته بلونها الأحمر القاني، وطرحت الأمواج جثث الرجال ركاما، وانتهى القتال بانتصار حاسم للمسلمين، وأسفر عن بداية لطور بحري جديد سيطر المسلمون فيه على حوض البحر المتوسط الشرقي على حساب البحرية البيزنطية، وأكسبهم خبرة طيبة في المجال البحري [1] راجع: تاريخ البحرية الإسلامية في مصر والشام "ص132-20"، أطلس التاريخ الإسلامي لحسين مؤنس "ص285"، الأمويون والبيزنطيون للدكتور/ إبراهيم العدوي "ص47-53". وراجع عن غزو قبرص" تاريخ الطبري "4/ 259، 260، 262"، وتاريخ الكامل لابن الأثير "2/ 488".